٢٧٦٨ – (١٦) وعن سعد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يكيد أهل المدينة أحد إلا إنماع كما ينماع الملح في الماء ".
ــ
السمهودي بعد ذكر حديث أنس وأبي بكرة وغير ذلك مما ورد في الباب ما لفظه: ويستفاد منه أن المراد من قوله في الأحاديث المتقدمة ((فترجف المدينة)) يعني بسبب الزلزلة فلا يشكل بما تقدم من أنه لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال فيستغنى عما جمع به بعضهم من أن الرعب المنفي هو ألا يحصل لمن بها بسبب قربه منها خوف، أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها، والمراد بالرجفة إشاعة مجيئه وأن لا طاقة لأحد به فيتسارع حينئذ عليه من كان يتصف بالنفاق أو الفسق، قاله الحافظ ابن حجر. وما قدمناه أولى – انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج وفي الفتن ومسلم في آخر الكتاب في أحاديث الدجال، وأخرجه أيضًا النسائي، وأخرج أحمد نحوه.
٢٧٦٨ – قوله (لا يكيد أهل المدينة أحد) أي لا يريد بأهلها سوءًا، والكيد المكر والحيلة في المساءة. وقال القسطلاني: أي لا يفعل بهم كيدًا من مكر وحرب وغير ذلك من وجوه الضرر بغير حق (إلا انماع) بسكون النون بعد همزة الوصل آخره مهملة، أي ذاب. قال في النهاية: ماع الشيء ويميع وانماع إذا ذاب وسال (كما ينماع الملح في الماء) وفي رواية مسلم من طريق أبي عبد الله القراظ عن أبي هريرة وسعد جميعًا فذكر حديثًا فيه ((من أراد أهلها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)) ، وفي رواية مسلم من طريق عامر بن سعد عن أبيه في أثناء حديث:" ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء ". قال عياض: هذه الزيادة أي قوله في النار تدفع إشكال الأحاديث التي لم تذكر فيها، وتبين أن هذا حكمه في الآخرة. قال: ويحتمل أن يكون المراد به أن من أرادها في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كفى المسلمون أمره واضمحل أمره كما يضمحل الرصاص في النار فيكون في اللفظ تقديم وتأخير ويؤيده قوله أو ذوب الملح في الماء. قال: ويحتمل أن يكون المراد من كادها اغتيالاً وطلبًا لغرتها فلا يتم له أمر بخلاف من أتى ذلك جهارًا، قال: ويحتمل أن يكون ذلك لمن أرادها في الدنيا بسوء فلا يمهله الله ولا يمكن له سلطانًا بل يذهبه عن قرب كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم بن عقبة فإنه عوجل عن قرب فأهلك في منصرفه من المدينة ثم هلك يزيد بن معاوية مرسله على أثر ذلك وغيرهما ممن صنع صنيعهما – انتهى. قال السمهودي: وهذا الاحتمال الأخير هو الأرجح، وليس في الحديث ما يقتضى أنه لا يتم له ما أراد منهم بل الوعد بإهلاكه ولم يزل شأن المدينة على هذا حتى في زماننا ها لما تظاهرت طائفة العياشي لإرادة السوء بالمدينة الشريفة لأمر اقتضى خروجهم منها