فقال عمار لعمر: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت؟ فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
ــ
عمر: لا تصل حتى تجد الماء. (في سفر) ولمسلم: في سرية، وزاد: فأجنبنا. (أنا وأنت) تأكيد وبيان لضمير كنا، فالمعنى فأجنبنا كلنا. (فأما أنت فلم تصل) لأنه كان يتوقع الوصول إلى الماء قبل خروج الوقت، أو لاعتقاد أن التيمم إنما هو عن الحديث الأصغر لا الأكبر، وهذا هو الأظهر، وقاس عمار الحدث الأكبر على الأصغر. (فتمعكت) أي: تمرغت وتقلبت في التراب، كأنه ظن أن إيصال التراب إلى جميع الأعضاء واجب في تيمم الجنابة كإيصال الماء في غسلها. وبه يظهر أن المجتهد يخطئ ويصيب. (فذكرت ذلك) أي: ما ذكر من امتناع عمر عن الصلاة، وتمعكي في التراب. (إنما كان يكفيك هذا) مجمل تفسيره. (فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض) فيه أن تعليمه - صلى الله عليه وسلم - لعمار كيفية التيمم كان بالفعل، والرواية الآتية تدل على أنه كان بالقول. قال القاري: والجمع بين الحديثين: أنه عليه الصلاة والسلام جمع في التعليم بين القول والفعل تأكيداً للإعلام وتنبيها على الإهتمام. (ونفخ فيهما) يحتمل أن يكون النفخ لشيء علق بيده خشي أن يصيب وجهه الكريم، أو علق بيده من التراب شيء له كثرة، فأراد تخفيفه لئلا يبقى له أثر في وجهه. (ثم مسح بهما وجهه وكفيه) أي: ظاهرهما. والحديث فيه دليل على أنه يكفي في التيمم ضربة واحدة، ويكفي في اليدين مسح الكفين، وأن الآية مجملة بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاقتصار على الكفين. والاكتفاء بالضربة الواحدة، وبمسح الراحتين وظاهر الكفين، هو مذهب جمهور العلماء، وأهل الحديث عملاً بحديث عمار هذا، فإنه أصح حديث في الباب، كما أقر به التوربشتي والخطابي وابن دقيق العيد وغيرهم قال الشيخ عبد الحى اللكنوي: أقوى الأقوال فيه من حيث الدليل هو الاكتفاء بمسح اليدين إلى الرسغين لما ثبت في روايات حديث عمار الصحيحة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه كيفية التيمم حين بلغه تمعكه في التراب، واكتفى فيه على مسح الوجه والكفين – انتهى. وقال الحافظ في الفتح: - وما أحسن ما قال! - إن الأحاديث الواردة في التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم، وعمار. وما عداهما، فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه. فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملاً، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين، وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط. فأما رواية المرفقين، وكذا نصف الذراع، ففيهما مقال، وأما رواية الآباط أي الآتية في الفصل الثالث، فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكل تيمم صح للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعده فهو ناسخ له، وإن كان بغير أمره فالحجة فيما أمر به. ومما يقوى رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار يفتى بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد - انتهى.