للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رواه البخاري.

ولمسلم نحوه، وفيه قال: ((إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك)) .

ــ

وقال الشوكاني في السيل الجرار: إن جميع الأحاديث الصحيحة ليس فيها إلا ضربة واحدة للوجه والكفين فقط. وجمع ما ورد في الضربتين أو كون المسح إلى المرفقين لا يخلو عن ضعف يسقط به عن درجة الاعتبار، ولا يصلح للعمل عليه، حتى يقال: إنه مشتمل على زيادة، والزيادة يجب قبولها، فالواجب الاقتصار على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة - انتهى. قال ابن رشد في البداية: إن الصواب هو أن يعتقد أن الفرض إنما هو الكفان فقط، وذلك أن اسم اليد لا يخلو أن يكون في الكف أظهر منه في سائر الأجزاء، أو يكون دلالته على سائر أجزاء الذراع والعضد بالسواء، فإن كان أظهر فيجب المصير إليه على ما يجب المصير إلى الأخذ بالظاهر، وإن لم يكن أظهر، فيجب المصير إلى الأخذ بالأثر الثابت، فأما أن يغلب القياس ههنا على الأثر فلا معنى له، ولا أن ترجح به أيضاً أحاديث لم تثبت بعد، فالقول في هذه المسألة بين من الكتاب والسنة - انتهى. وفي الحديث أن مسح الوجه واليدين بدل في الجنابة عن كل البدن، وإنما لم يأمر عماراً بالإعادة لأنه عمل أكثر مما كان يجب عليه في التيمم. (رواه البخاري) أي: بهذا اللفظ في "باب هل ينفخ في يديه بعد ما يضرب بهما الصعيد للتيمم" وأخرجه أيضاً مسلم كما ذكره المصنف والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه بألفاظ مطولاً ومختصراً.

قوله: (إنما يكفيك أن تضرب بيدك الأرض ثم تنفخ) الخ. فيه رد صريح على من أجاب عن رواية عمار المتقدمة بأن تعليمه له وقع بالفعل، وقد ورد في الأحاديث القولية المسح إلى المرفقين، ومن المعلوم أن القول مقدم على الفعل. ووجه الرد أن رواية مسلم هذه تدل صريحاً على أن التعليم وقع بالقول أيضاً، كما يدل على ذلك ما وقع في رواية للبخاري: يكفيك الوجه والكفان. وقد تفوه بعض أهل الأهواء أن قوله: يكفيك الوجه والكفان، لعله رواية بالمعنى، وحكاية للفعل بالقول، وإنما كان أشار إليه كما في الرواية المارة؛ إنما كان يكفيك هكذا، وكانت تلك إشارة إلى المعهود. وقال تلميذه الذي لا يتحاشى مثل شيخه عن استطالة اللسان على فقهاء أصحاب الحديث وإساءة الأدب في شأنهم نصرة لقول هذا البعض، والقرينة على أن الأصل في روايته هو التعليم بالإشارة، وأن التعليم بالقول رواية بالمعنى، ما عنه عند البخاري: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض، الخ. ففيه ذكر التعليم القولي مع فعله - صلى الله عليه وسلم - بالكفين، فلما كان ذكر الكفين جرى في ذيل فعله، وكان بياناً لقوله: أخذ بعض الرواة في بيان القول، ثم رفعه - انتهى. قلت: من عادة هؤلاء المشغوفين بآراء الرجال والأقيسة والأهواء أنهم إذا رأوا حديثاً مرفوعاً صحيحاً مخالفاً لقول إمامهم اشمأزوا منه، واخترعوا لرده تأويلات متبجحين بها، فتارة يجعلونه منسوخاً، وأخرى رواية بالمعنى، وتارة يحاولون

<<  <  ج: ص:  >  >>