٥٩٦- (٨) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) متفق عليه.
٥٩٧- (٩) وعن بريدة، قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله)) .
ــ
٥٩٦- قوله:(الذي تفوته) أي: بغروب الشمس، قاله نافع الراوي لهذا الحديث، وقيل بفوت الوقت المختار ومجئ وقت الاصفرار، روى ذلك أبوداود عن الأوزاعي في هذا الحديث، وقيل بفوت الجماعة والإمام، والراجح هو الأول لما روى ذلك مرفوعاً عند ابن أبي شيبة، ذكره السيوطي (صلاة العصر) أي: بغير اختياره، وظاهره التغليظ على من تفوته صلاة العصر وأن ذلك مختص بها والله تعالى يختص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة (فكأنما وتر أهله وماله) على بناء المفعول ونصب الأهل والمال أو رفعهما، قيل النصب المشهور وعليه الجمهور، وهو مبنى على أن وتر بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين، والرفع على أنه بمعنى أخذ فيكون أهله هو نائب الفاعل، والمعنى: أخذ أهله وماله فبقى وترا فرداً بلا أهل ومال، يريد أنه فليكن على حذر من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله. وقيل: الوجه أن المراد أنه حصل له النقصان في الأجر في الآخرة ما لو وزن بنقص الدنيا لما وازنه إلا نقصان من نقص أهله وماله. وقال الحافظ: قوله: أهله. هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر، وأضمر في "وتر" مفعول ما لم يسم فاعله، وهو عائد على الذي فاته العصر، فالمعنى: أصيب بأهله وماله، وهو متعد إلى مفعولين، ومثله قوله تعالى:{ولن يتركم أعمالكم}[٣٥:٤٧] . وقيل:"وتر" ههنا بمعنى نقص فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه، لأن من رد النقص إلى الرجل نصب وأضمر ما يقوم مقام الفاعل ومن رده إلى الأهل رفع-انتهى. والحديث حمله الترمذي على الساهي والناسي، وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب أهله وماله. وقد روى معنى ذلك عن سالم بن عبد الله بن عمر، ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم، وحمله بعضهم على العامد، والظاهر أنه محمول على الساهي، والله أعلم (متفق عليه) وأخرجه أيضاً مالك والترمذي وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وغيرهم. وفي الباب عن نوفل بن معاوية عند النسائي وغيره.
٥٩٧- قوله (من ترك) أي: متعمداً كما في رواية لأحمد وكما في حديث أبي الدرداء عنده أيضاً (صلاة العصر) متكاسلاً (فقد حبط عمله) قال. ابن عبد البر: مفهوم قوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله}[٥:٥] أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله، فيتعارض مفهومه ومنطوق الحديث، فيتعين تأويل الحديث لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح. فقيل في تأويله أن الوعيد خرج مخرج الزجر الشديد، وظاهره غير مراد كقوله: لا يزني الزاني وهو مؤمن، وقيل: هو من مجاز التشبيه كأن المعنى فقد أشبه من حبط عمله. وقيل معناه: كاد أن يحبط. وقيل: المراد بالحبط الإبطال، أي: يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما، ثم ينتفع به كمن رجحت سيئاته على حسناته فأنه