٦٠٠- (١٢) وعنها، قالت:((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي الصبح، فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس)) .
ــ
ثلث الليل الأول) بالجر صفة ثلث، وفيه بيان الوقت المرغوب المختار لصلاة العشاء لما يشعر به السياق من المواظبة على ذلك، وقد ورد بصيغة الأمر في هذا الحديث عند النسائي، ولفظه: ثم قال: صلوا فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل. وليس بين هذا وبين قوله في حديث أنس: أنه أخر الصلاة إلى نصف الليل. معارضة، لأن حديث عائشة محمول على الأغلب من عادته - صلى الله عليه وسلم -، كذا في الفتح (متفق عليه) أي: على أصل الحديث الذي اللفظ المذكور طرف منه. وإلا فالسياق المذكور من إفراد البخاري، وهو طرف من حديث اتفق الشيخان على روايته، وبين ألفاظهما اختلاف يسير والطرف الذي ذكره المصنف ليس عند مسلم بل هو من إفراد البخاري، فقول المصنف "متفق عليه" لا يخلو عن نظر.
٦٠٠- قوله:(ليصلي) اللام فيه للإبتداء، وقد دخل على الخبر وهو جائز عند الكوفيين (فتنصرف النساء) أي: اللاتي يصلين معه (متلفعات) جمع مرط- بكسر ميم وسكون راء – وهو كساء معلم من خز أو صوف أو غير ذلك. وقيل هي ملحفة يؤتزر بها. قال الجزري: أي: متلففات بأكسيتهن، واللفاع ثوب يجلل به الجسد كله كساء كان أو غيره، وتلفع بالثوب إذا اشتمل به – انتهي. وقال السيوطي: التلفع هو التلفف إلا أن فيه زيادة تغطية الرأس، فكل متلفع متلفف، وليس كل متلفف متلفعاً (مايعرفن) ما نافية أي: ما يعرفن أنساء أم رجال؟ أي: لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة. وقيل: لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب، فإن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى غالباً، ولو كان بدنها مغطى، وهذا هو الظاهر، فإن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان، ولو كان المراد الأول لعبر بنفي العلم، ووقع في رواية للبخاري أي: في باب سرعة انصراف النساء من الصبح: لا يعرف بعضهن بعضا، وهذا كالصريح في عدم معرفة أعيانهن وأشخاصهن دون معرفة الذكر من الأنثى. قال السندي: ما يعرفن أي: حال الانصراف إلى البيت في الطريق لا في داخل المسجد كما زعمه المحقق ابن الهمام، لأن جملة "ما يعرفن" حال من فاعل تنصرف فيجب المقارنة بينهما – انتهى. قلت: فبطل ذلك تأويل من قال: من الحنفية أن المراد من الغلس غلس المسجد لأنه كان مسقفاً فما كان يظهر فيه النور إلا بطلوع الشمس. (من الغلس) أي: لأجل الظلمة لا لأجل التلفع، فمن ابتدائية أو تعليلية، وهو بفتحتين بقايا ظلام الليل يخالطها ظلام الفجر، وقال الجزري: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. قال الحافظ: في الحديث استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أول الوقت، وجواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل، ويؤخذ منه جوازه في النهار من باب الأولى. لأن الليل مظنة الريبة أكثر من النهار، ومحل ذلك إذا لم يخش عليهن أو بهن فتنة-انتهى.