للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا.

ــ

فإن غيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلا الإسراع؛ لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها، فينهى عن الإسراع من باب الأولى، ففي هذا التقييد تنبيه على ما سواه، وإفادة أن الإسراع لا يجوز بحال. (تسعون) حال أي لا تأتوا إلى الصلاة مسرعين في المشي وإن خفتم فوت بعض الصلاة، والمراد بالسعي ههنا هو الإسراع، وقد يطلق على مطلق المشي والذهاب، وهو المراد في قوله تعالى. {فاسعوا إلى ذكر الله} [٦٢: ٩) يدل عليه قراءة عمر: فامضوا إلى ذكر الله. وقيل المراد في الآية العمل والقصد، يدل عليه قوله تعالى: {وذرو البيع} [٦٢: ٩] أي اشتغلوا بأمر المعاد واتركوا أمر المعاش، ومنه قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [٥٣: ٣٩] وقوله. {إن سعيكم لشتى} [٩٢: ٤] ، وعلى هذا فلا تنافي بين الآية والحديث في الذهاب إلى الجمعة. (تمشون) المشي وإن كان يعم الإسراع لكن التقييد بقوله "وعليكم" الخ خصه بغيره ولولا التقييد صريحا لكفى المقابلة في إفادته. (وعليكم السكينة) ضبطها القرطبي بالنصب بعليكم، أي على الإغراء، يعني على أنها مفعول بها، والمعني الزموا السكينة، وضبطها النووي بالرفع على الابتداء، والخبر سابقها، والجملة في موضع الحال، زاد في رواية للشيخين "والوقار"، فقيل: هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد، وقيل: إن بينهما فرقاً وإن السكينة التأنى في الحركات، واجتناب العبث. والوقار في الهيئة كغض البصر، وخفض الصوت وعدم الالتفات. (فما أدركتم) الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم "فما أدركتم فصلوا"، أو التقدير إذا فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع فما أدركتم فصلوا. واستدل به الجمهور على حصول فضيلة الجماعة بإدراك أي جزء كان من الصلاة، لعموم قوله "فما أدركتم فصلوا" ولم يفصل بين القليل والكثير. وقيل: لا يدرك فضل الجماعة بأقل من ركعة لحديث: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك. وقياساً على الجمعة. والجواب عن الحديث أنه وارد في الأوقات، وحديث الجمعة خاص بها. واستدل الحنفية بإطلاق الحديث على أن من أدرك مع الإمام شيئاً من صلاة الجمعة ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي، ولا يصلي الظهر، وسيأتي الكلام في هذه المسألة في موضعها. واستدل به على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها. وفيه حديث أصرح أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعاً: من وجدني راكعاً أو قائماً أو ساجداً فليكن معي على حالتي التي أنا عليها. (وما فاتكم) أي بحسب الحس والمشاهدة دون الحكم. (فأتموا) أي أكملوه وحدكم كذا في أكثر الروايات بلفظ فأتموا، وفي بعضها فاقضوا. وقد اختلفوا في المسبوق هل ما يصلي بعد الإمام أول صلاته أم آخرها؟ فمن قال بالأول - وهو أبوحنيفة - استدل برواية "اقضوا"؛ لأن القضاء لا يكون إلا للفائت، فمن سبق بثلاث ركعات فإنه إذا سلم الإمام يقوم فيصلي ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يقوم من غير تشهد فيصلي أخرى بالفاتحة وسورة، ثم يقعد ويتشهد ثم يقوم فيصلي أخرى بالفاتحة لا غير، ويتشهد ويسلم، بناء على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته وأنه يكون قاضياً في الأقوال والأفعال. ومن قال بالآخر - وهو الشافعي - استدل

<<  <  ج: ص:  >  >>