فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم. (والمسجد الأقصى) أي بيت المقدس وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة عند الكوفيين كقوله تعالى: {وماكنت بجانب الغربي}[٢٨: ٤٤] . والبصريون يؤولونه بإضمار المكان، الذي بجانب المكان الغربي ومسجد المكان الأقصى، وسمي به لبعده عن مسجد مكة في المسافة، أو لأنه لم يكن وراءه مسجد. (ومسجدي هذا) أي مسجد المدينة، وفي رواية مسجد الرسول. وفي الحديث مزية هذه المساجد وفضيلتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء، ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم الماضية، والثالث أسس على التقوى واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً، وإلى الموضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها، فقال الشيخ أبومحمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور، وقال له: لو أدركت قبل أن تخرج ما خرجت. واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبوهريرة. والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة لا يخلو واحد منها عن النظر، وأحسنها وأقواها عندهم أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قبر أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي، وقد ورد ذلك مصرحاً في بعض طرق الحديث في مسند أحمد برواية أبي سعيد الخدري، وذكر عنده صلاة في الطور فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ينبغي للمصلى أن يشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا، وفي سنده شهر بن حوشب وهو حسن الحديث وإن كان فيه بعض الضعف، وقال بعضهم: قوله: إلا إلى ثلاثة مساجد. المستثنى منه محذوف، فإما أن يقدر عاماً فيصير: لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا إلى الثلاثة. أو أخص من ذلك، لا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم وطلب العلم وغيرها فتعين الثاني، والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة، وهو لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثلاثة. قال شيخنا في شرح الترمذي بعد ذكر هذا الجواب: إن قولهم: المراد حكم المساجد فقط وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد ... الخ، غير مسلم، بل ظاهر الحديث العموم وأن المراد لا تشد الرحال إلى موضع إلا إلى ثلاثة مساجد، فإن الاستثناء مفرغ، والمستثنى منه في المفرغ يقدر بأعم العام، نعم لو صح رواية أحمد بلفظ: لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد ... الخ. لاستقام هذا الجواب، لكنه تفرد بهذا اللفظ شهر بن حوشب ولم يزد لفظ "مسجد" أحد غيره فيما أعلم، وهو كثير الأوهام كما صرح به الحافظ في التقريب، ففي ثبوت لفظ "مسجد" في هذا الحديث كلام، فظاهر الحديث هو العموم وأن المراد: لا يجوز السفر إلى موضع للتبرك به والصلاة فيه إلا إلى ثلاثة