حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره،
ــ
إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود. وقيل غير ذلك. ثم إن الرفع عند تكبيرة الإحرام سنة عند الجمهور، وليس بواجب لعدم ذكره في حديث المسيء، وفرض عند ابن حزم، لا تجزئ الصلاة إلا به. وروي ذلك عن الأوزاعي. وقال الزرقاني: روي الوجوب عن الحميدى، وابن خزيمة، وداود، وبعض المالكية والشافعية. (حذاء منكبيه) بكسر الحاء، أي مقابلهما. والمنكب- بفتح الميم وكسر الكاف- مجمع رأس عظم الكتف والعضد، وبهذا أخذ الشافعي والجمهور خلافاً للحنفية حيث أخذوا بحديث مالك بن الحويرث الآتي بعد حديثين، وهو من إفراد مسلم، وبحديث وائل ابن حجر عند أبي داود بلفظ:"حتى حاذتا أذنيه". ورجح الأول لكون إسناده أصح وأثبت؛ لأنه متفق عليه. وروي عن الشافعي أنه جمع بينهما، فقال: يرفع يديه حذو منكبيه بحيث يحاذى أطراف أصابعه فروع أذنيه، وإبهاماه شحمة أذنيه، وراحتاه منكبيه. ويؤيده الرواية الآتية في الفصل الثاني عن وائل. واختاره ابن الهمام حيث قال: لا تعارض بين الروايتين، فإن محاذاة الشحمتين بالإبهامين تسوغ حكاية محاذاة اليدين بالمنكبين؛ لأن طرف الكف مع الرسغ يحاذى المنكب أو يقاربه، فالذي نص على محاذاة الإبهامين بالشحمتين وفق في التحقيق بين الروايتين فوجب اعتباره - انتهى. قلت: وقد استحب الحنفية شيئاً من المبالغة في الرفع حتى قيدوا مس الإبهامين بشحمتي الأذنين لتحقيق المحاذاة، ولا دليل عليه لا من سنة، ولا من قول صحابي، ولا من قياس. وجمع بعض العلماء بأن حديث المنكبين محمول على الشتاء، وعليهم الأكسية والبرانس كما أخرجه أبوداود من حديث وائل بن حجر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة وعليهم برانس وأكسية. وعليه حمله الطحاوي في شرح معاني الآثار. قلت: في الاستدلال بهذا الحديث على الجمع المذكور كلام، فإن مداره على شريك القاضي وقد تغير حفظه لما ولى القضاء, وقد تفرد هو بذكر لفظ "إلى صدورهم"، وخالف الثقات الحفاظ كزائدة وسفيان، ولم يرض العيني بهذا الجمع، وعده من التكلفات كما صرح به في البناية. وقيل: لا اختلاف بينهما لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كلا الأمرين في أوقات مختلفة، فالرجل مخير بينهما. قال السندي: لا تناقض بين الأفعال المختلفة لجواز وقوع الكل في أوقات متعددة، فيكون الكل مستنداً إلا إذا دل الدليل على نسخ البعض، فلا منافاة بين الرفع إلى المنكبين، أو إلى شحمتي الأذنين، أو إلى فروع الأذنين أي أعاليهما. وقد ذكر بعض العلماء في التوفيق بسطاً لا حاجة إليه لكون التوفيق فرع التعارض، ولا يظهر التعارض أصلاً- انتهى. (أمكن يديه من ركبتيه) في المغرّب يقال: مكنه من الشيء وأمكنه فيه أقدره عليه، والمعنى مكنهما من أخذها والقبض عليهما (ثم هصر ظهره) بالهاء والصاد المهملتين المفتوحتين، أي أماله وثناه في استواء من رقبته ومتن ظهره من غير تقويس. وأصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه إليك وتعطفه. قال الخطابي في المعالم (ج١: