قريبا منه فقال ما هذا قالوا بلقيس نزلت منا بهذا المكان وكانت على مسيرة فرسخ من سليمان* قال ابن عباس وكان بين الحيرة والكوفة فأقبل سليمان حينئذ على جنده فقال يأيها الملأ أيكم يأتبنى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين أراد بذلك أن يريها بعض العجائب الدالة على عظيم القدرة وصدقه فى دعوى النبوّة ويختبر عقلها بأن تنكر أو أراد أن يأخذه قبل أن تسلم فانها اذا أتت مسلمة لم يحل أخذه الا برضاها قال عفريت من الجنّ خبيث مارد قوى* قال وهب اسمه كوذى وقيل ذكوان وقيل هو صخر الجنى وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك مجلسك للحكومة وكان يجلس الى نصف النهار وانى على حمله لقوىّ أمين لا اختزل منه شيئا ولا أبد له فقال سليمان أريد أسرع من هذا قال الذى عنده علم من الكتاب أى ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله عند قول العفريت* وفى معالم التنزيل هو ملك من الملائكة أيد الله به نبيه سليمان أو جبريل أو الخضر أو سليمان نفسه أو آصف بن برخيا وزيره أو كاتبه هو الاصح وعليه الجمهور وكان صدّيقا يعلم الاسم الاعظم الذى اذا دعى به أجاب وهو يا حىّ يا قيوم قاله الكلبى أو ياذ الجلال والاكرام قاله مجاهد ومقاتل أويا الهنا واله كل شىء الها واحدا لا اله الا أنت ائتنى بعرشها وقوله أنا آتيك به قبل أن يرتدّ اليك طرفك أى انك ترسل طرفك الى شىء فقبل ان تردّه أحضر عرشها فتبصره بين يديك قال مجاهد يعنى ادامة النظر حتى يرتدّ الطرف خاسئا* يروى ان آصف قال لسليمان حين صلّى مدّ عينيك حتى ينتهى طرفك فمدّ سليمان عينيه فنظر نحو اليمن ودعا آصف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الارض يخدون خدّا حتى انخرقت الارض بالسرير بين يدى سليمان* قال الكلبى خرّ آصف ساجدا ودعا باسم الله الاعظم فغار عرشها فى مكانه تحت الارض ثم نبع عند كرسى سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتدّ طرفه قيل كانت المسافة مقدار شهرين كذا فى معالم التنزيل وقال محمد بن المنكدر لما قال عالم بنى اسرائيل الذى آتاه الله علما وفهما أنا آتيك به قبل أن يرتدّ اليك طرفك قال سليمان هات قال أنت النبىّ ابن النبىّ وليس أحد أوجه عند الله منك فان دعوت الله وطلبت اليه كان عندك قال صدقت ففعل ذلك فجىء بالعرش فى الوقت فلما رأى العرش مستقرّا عنده حاصلا بين يديه ثابتا لديه غير مضطرب قال هذا من فضل ربى أى التمكن من احضار العرش فى مدّة ارتداد الطرف من مأرب الى الشام كذا فى معالم التنزيل وقال فى أنوار التنزيل من مسيرة شهرين بنفسه أو بغيره ثم قال سليمان نكروا لها عرشها غيروا هيئته وشكله أى اجعلوا مقدّمه مؤخره وأعلاه أسفله واجعلوا مكان الجوهر الاحمر أخضر ومكان الاخضر أحمر ننظر أتهتدى الى معرفة عرشها وقد خلفته فى مأرب وراءها مغلقة عليه الابواب موكلة عليه الحراس أوالى الجواب الصواب اذا سئلت عنه أم لا* فلما جاءت بلقيس قيل لها أهكذا عرشك قالت كأنه هو فأجابت أحسن جواب ولم تقل هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها* وفى المدارك ولم تقل هو ولا ليس به وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع فى المحتمل للامرين أو لما شبهوا عليها بقولهم أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها كأنه هو مع أنها علمت أنه عرشها قيل لها ادخلى الصرح أى القصر أو صحن الدار فلما رأته ظنته ماء راكدا فكشفت عن ساقيها* روى أن سليمان أمر قبل قدومها فبنى على طريقها قصر صحنه من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه حيوانات البحر من السمك وغيره وقيل اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع فكان الواحد اذا رآه ظنه ماء كذا فى معالم التنزيل ووضع سريره فى صدره فجلس عليه وعكف الطير عليه والجنّ والانس وانما فعل ذلك ليزيدها اعظاما لامره وتحقيقا لنبوّته وقيل ان الجنّ كرهوا أن يتزوّجها سليمان فتفشى اليه بأسرارهم لان أمّها كانت جنية وقيل خافوا أن يولد منها ولد فيجتمع له فطنة الجنّ والانس فيخرجوا من ملك سليمان الى ملك أشدّ