العدوّ مع ما كانوا فيه من سوابغ الحديد والعدّة الكاملة والخيول المسوّمة والخيلاء الزائد فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيض وجه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأخزى الشيطان وجبله ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة أى قليل عددكم فقد كانت هذه أعظم غزوات الاسلام اذ منها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على الآفاق نوره ومن حين وقوعها أذل الله الكفار وأعز من حضرها من المسلمين فهم عند الله من الابرار* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمع بأبى سفيان بن حرب مقبلا من الشأم فى عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تحاراتهم وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو اربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام* وقال غيره كانت العير زها ألف بعير وفى أحمالها من التمر والشعير والبرّ والزبيب وغير ذلك كذا فى الينابيع وهى العير التى كان فيها أبو سفيان بن حرب مع جمع من قريش خرجوا من مكة الى الشأم وكان صلّى الله عليه وسلم خرج اليها وسار الى العشيرة فلم يدركها فرجع الى المدينة فأخبر جبريل بقفول العير من الشأم فأخبر النبى صلّى الله عليه وسلم المسلمين فأعجبهم تلقى العير لكثرة الخير وقلة القوم* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأبى سفيان مقبلا من الشأم ندب المسلمين اليهم وقال هذه عير قريش فيها أموال فاخرجوا اليها لعل الله ينفلكموها فانتدب المسلمون فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك انهم لم يظنوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان بن حرب حين دنا من الحجاز يتجسس الاخبار ويسأل من لقى من الركبان تخوّفا عن أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفارى فبعثه الى مكة وأمره أن يأتى قريشا فيستنفرهم الى أموالهم ويخبرهم أنّ محمدا قد عرض لها فى أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا الى مكة قال ابن اسحاق وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث رؤيا أفزعتها فبعثت الى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخى والله لقد رأيت البارحة رؤيا أفزعتنى وتخوّفت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة فاكتم عنى ما أحدّثك وما رأيت فقال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالابطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لصارعكم فى ثلاث فأرى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم فى ثلاث ثم مثل به بعيره على أبى قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى اذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار الا دخلها منها فلقة قال العباس والله ان هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لاحد ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه اياها فذكرها الوليد لابيه عتبة ففشا الحديث بمكة حتى تحدّثت به قريش قال العباس فغدوت لاطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام فى رهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة فلما رآنى أبو جهل قال يا أبا الفضل اذا فرغت من طوافك فأقبل الينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست بينهم فقال لى أبو جهل يا بنى عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال تلك الرؤيا التى رأت عاتكة قال قلت وما رأت فقال يا بنى عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة فى رؤياها انه قال انفروا لمصارعكم فى ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فان يك حقا ما تقول فسيكون وان تمض الثلاث ولم يكن شىء من ذلك نكتب عليكم كتابا انكم أكذب اهل بيت فى العرب قال ثم تفرّقنا فلما أمسينا لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب الا أتتنى