أبا بكر بالمدينة ووجد ذلك العسكر على حاله وأبو عبيدة يصلى بذلك العسكر فلما قدمت حمير معها أولادها ونساؤها فرح بهم أبو بكر وقام وقال عباد الله ألم نكن نتحدّث فنقول اذا مرت حمير معها أولادها نصر الله المسلمين وخذل المشركين فأبشروا أيها المسلمون قد جاءكم النصر* قال وجاء قيس ابن هبيرة بن مكشوح المرادى معه جموع كثيرة حتى سلم على أبى بكر ثم جلس فقال له ما تنتظر ببعثة هذه الجنود قال ما كنا ننتظر الا قذومكم قال فقد قدمنا فابعث الناس الاوّل فالاوّل فانّ هذه البلدة ليست ببلدة خف ولا كراع قال فعند ذلك خرج فدعا يزيد بن أبى سفيان فعقد له ودعا ربيعة بن عامر من بنى عامر بن لؤى فعقد له ثم قال له أنت مع يزيد بن أبى سفيان لا تعصه ولا تخالفه ثم قال ليزيد ان رأيت ان توليه مقدّمتك فافعل فانه من فرسان العرب وصالحاء قومك وأرجو أن يكون من عباد الله الصالحين ثم خرج أبو بكر يمشى ويزيد راكب فقال له يزيد يا خليفة رسول الله اما أن تركب واما أن تأذن لى فأمشى معك فانى أكره أن أركب وأنت تمشى فقال أبو بكر ما أنا براكب وما أنت بنازل انى أحتسب خطاى هذه فى سبيل الله* وفى الرياض النضرة عن ابن عمر أنّ أبا بكر مشى مع يزيد بن أبى سفيان نحوا من ميلين فقيل له يا خليفة رسول الله لو انصرفت فقال لا انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اغبرت قدماه فى سبيل الله عز وجل حرمهما الله على النار ثم أوصاه بوصايا ثم أخذ بيده وودّعه فخرج يزيد فى جيشه قبل الشأم وكان أبو بكر كل غدوة وعشية يدعو فى دبر صلاة الغداة ويدعو بعد العصر* قال انس لما بعث أبو بكر يزيد بن أبى سفيان الى الشام لم يسر من المدينة حتى جاءه شرحبيل بن حسنة وأخبره برؤيا رآها فقال أبو بكر نامت عينك هذه بشرى وهو الفتح ان شاء الله لا شك فيه وانت احد أمرائى فاذا سار يزيد بن أبى سفيان فأقم ثلاثا ثم تيسر للمسير ففعل فلما مضى اليوم الثالث أتاه من الغد يودّعه فأوصاه بمثل ما اوصى به يزيد بن ابى سفيان ثم ودّع ابا بكر وخرج فى جيشه قبل الشأم وبقى معظم الناس مع ابى عبيدة فى العسكر يصلى بهم وابو عبيدة ينتظر فى كل يوم أن يدعوه ابو بكر فيسرّحه وابو بكر ينتظر به قدوم العرب عليه من كل مكان يريد أن يشحن أرض الشام ويريد ان زحفت الروم عليهم أن يكونوا مجتمعين فقدمت عليهم حمير فيها ذو الكلاع واسمه أيفع وجاءت مذحج فيها قيس بن هبيرة المرادى معه جمع عظيم من قومه وفيهم الحجاج بن عبد يغوث الزبيدى وجاء حابس بن سعد الطائى وعدد كثير من طى وجاءت الازد فيهم جندب بن عمرو بن جمزة الدوسى وفيهم أبو هريرة وجاء جماعة من قبائل قيس فعقد أبو بكر لميسرة بن مسروق العبسى عليهم وجاء قباث بن أشيم فى بنى كنانة فأما ربيعة وأسد وتميم فانهم كانوا بالعراق قال فخرج أبو بكر فى رجال من المسلمين على رواحلهم حتى أتى أبا عبيدة بن الجراح فسار معه حتى بلغ ثنية الوداع فأوصاه وناصحه ثم انه تأخر وتقدّم اليه معاذ بن جبل فأوصى كل واحد منهما صاحبه ثم أخذ كل واحد منهما بيد صاحبه فودّعه ودعا له ثم تفرّقا وانصرف أبو بكر ومضى ذلك الجيش وقال رجل من المسلمين لخالد بن سعيد وقد تهيأ للخروج مع أبى عبيدة لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبى سفيان كان أمثل من خروجك مع غيره فقال ابن عمى أحب الىّ من هذا فى قرابته وهذا أحب الىّ من ابن عمى فى دينه هذا كان أخى فى دينى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليى وناصرى على ابن عمى قبل اليوم فأنا به أشدّ استئناسا واليه أشدّ طمأنينة فلما أراد أن يغد وسائرا الى الشأم لبس سلاحا وأمر اخوته فلبسوا أسلحتهم عمرا وأبانا والحكم وغلمته ومواليه ثم أقبل الى أبى بكر عند صلاة الغداة فصلى معه فلما انصرفوا قام اليه هو واخوته فجلسوا اليه فحمد الله خالد وأثنى عليه
وصلى على رسوله ثم أوصى أبا بكر بالوصايا الحسنة ثم قال هات يدك يا أبا بكر فانا لا ندرى أنلتقى فى الدنيا أم لا فان قضى الله لنا فى الدنيا التقاء فنسأل عفوه وغفرانه