للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يدل على أنَّ الإمام مالكًا لا يرى الخروج أمور:

الأمر الأول: قول الإمام مالك: ولابدَّ من إمام برٍّ أو فاجر، فإقرارهُ بإمامة الفاجر يدلُّ أنه لايرى الخروجَ عليه.

الأمر الثاني: طريقة وهَدْيُ الإمام مالك مع حكَّام زمانه الذين عُرفوا بسفكِ الدماء (١) كأبي جعفر المنصور؛ فقد كان يعتقد لهم الإمامة بل ويدعوهُ بأمير المؤمنين، ولم يثبتْ أنه دعا للخروج عليهم.

قال الذهبي: «وقال موسى بن داود: سمعتُ مالكًا يقول: قدِمَ علينا أبو جعفر المنصور سنة خمسين ومائة، فقال: يا مالك! كثُرَ شيبُكَ!

قلت: نعم يا أمير المؤمنين، مَنْ أتتْ عليه السِّنونُ، كثُرَ شَيبهُ.

قال: ما لي أراك تعتمدُ على قول ابن عمر من بين الصحابة؟

قلت: كان آخرَ مَنْ بقيَ عندنا من الصحابة، فاحتاجَ إليه الناس، فسألوه، فتمسَّكوا بقوله» (٢).

الأمر الثالث: أنَّ مالكًا لو كان يقول بهذا القول لبيَّن ذلك أئمةُ السنة وأنكروه، كما أنكروا على غيره، فعدم إنكارهم عليه يدلُّ على أنه لم يقلْ بهذا القول.

الأمر الرابع: أنَّ أئمة السنة حكَوا الإجماعَ على عدم جواز الخروج؛ وأنه اعتقاد أهل السنة، ولم يذكروا مخالفة الإمام مالك؛ ولو كان مخالفًا لبيَّنوه؛ فإن للإمام مالك وأقواله المنزلةَ العالية والمكانة الرفيعة بينهم.


(١) قال السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص: ٤٢٢): «قتل خلقًا كثيرًا حتى استقام ملكه … » اهـ.
(٢) سير أعلام النبلاء (٨/ ١١٢).

<<  <   >  >>