للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«منكر» (١)، خلافًا لمن صححه.

السبب الثاني: هذا الكلام لو كان نصيحة (مع أنه ليس نصيحة وإنما بغي وفتنة) لكان جائزًا، لأنه أمام الحاكم، ومثلُ هذا جائز لأنه أمامه - كما تقدم (٢) -، فأين هذا من الكلام في الحاكم من ورائه؟.

الأمر الخامس: استدلاله على الحرية السياسية باعتراض عمر في صلح الحديبية، وهذا لا دلالة فيه؛ لأنه اعتراضٌ محرَّم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد بحث مفيد: «أنَّ الاعتراض قد يكون ذنبًا ومعصيةً يُخاف على صاحبه النفاق وإن لم يكن نفاقًا؛ مثل قوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} ومثلُ مراجعتهم له في فسخِ الحجِّ إلى العمرة وإبطائهم عن الحلِّ، وكذلك كراهتهم للحلِّ عام الحديبية وكراهتهم للصُّلح، ومراجعة مَنْ راجع منهم؛ فإن مَنْ فعلَ ذلك فقد أذنبَ ذنبًا كان عليه أن يستغفرَ الله منه، كما أنَّ الذين رفعوا أصواتهم فوق صوتهِ أذنبوا ذنبًا تابوا منه وقد قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: ٧].

قال سهل بن حنيف: «اتَّهموا الرأيَ على الدِّين فلقد رأيتُني يومَ أبي جندل ولو أستطيعُ أن أردَّ أمرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفعلت» (٣).

فهذه أمورٌ صدرت عن شهوة وعجَلة لا عن شكٍّ في الدين - كما صدرَ عن حاطبٍ التجسُّسُ لقريش - مع أنها ذنوبٌ ومعاصٍ يجبُ على صاحبها أن يتوبَ؛


(١) رقم (١٣٤١).
(٢) تقدم (ص: ٥٠).
(٣) أخرجه البخاري (٣١٨١)، ومسلم (١٧٨٥).

<<  <   >  >>