الأمر الثالث: أن محاولة تجويز الانتساب للأحزاب الكافرة؛ لأن الشريعة أقرَّت الكافر على كُفره إذا كان تحت حكمها؛ وهذا مردودٌ من أوجه:
الوجه الأول: أنَّ بقاء الكافر على دينه وهو تحت حُكمِ المسلمين ذليلًا بضوابط معينة = أجازتهُ الشريعة لمصلحة أكبر إذا كان كتابيًّا، وألحقَ بهم العلماء المجوسَ لما وردَ فيهم من دليل؛ وهذا الإقرار من الشريعة والاكتفاء بأخذ الجزية منهم لمصلحةٍ أكبر وهي رجاءُ دخولهِ في الإسلام - لأنهم أقربُ للإسلام من غيرهم -، فإنَّ جماهير أهل العلم على عدمِ إقرار بقاء غيرهم على دينهم وعلى عدم قبول الجزية منهم.
الوجه الثاني: فرَّقتْ الشريعة وسلفُ هذه الأمة بين الكفار وأهل البدع؛ وشددت في أهل البدع ما لم تشدِّد في الكفار؛ لأنه يُغترُّ بهم أكثر من غيرهم، فشدَّدت في الخوارج ما لم تشدِّد في الكفار وهكذا …
قال شريك بن عبد الله النخعي:«لئن يكون في كلِّ قبيلة حمار أحبُّ إلي من أن يكون فيها رجلٌ من أصحاب أبي فلان رجل كان مبتدعًا».
وقال مالك بن أنس:«لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلَّا أن تغلظ عليهم، ولا يُعاد مريضُهم، ولا تحدث عنهم الأحاديث».
وقال سفيان الثوري:«مَنْ أصغى بسمعهِ إلى صاحب بدعةٍ وهو يعلَم أنه صاحبُ بدعةٍ خرجَ من عصمة الله ووُكِلَ إلى نفسه».
وقال الفضيل بن عياض: «لأن آكلَ عند اليهودي والنصراني أحبُّ إليّ من أن آكلَ عند صاحب بدعة، فإني إذا أكلت عندهما لا يُقتدى بي، وإذا أكلتُ عند صاحب بدعة اقتدى بي الناس، أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعةٍ حصنٌ