للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من حديد» (١).

الوجه الثالث: إنَّ مقتضى إنكار المنكر ألَّا تُقرَّ الأحزاب غير الشرعية، فكلُّ دليلٍ يدلُّ على إنكار المنكر كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠]، وقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] = يدلُّ على إنكار هذه التحزُّبات غير الشرعية.

فإذا تُرك إنكارُ منكرٍ لمصلحة أكبر، فلا يدلُّ على عدم إنكار المنكرات، بل تبقى إنكارُ المنكرات على الأصل ما لم تعارضه مصلحةٌ أكبر، فإقرارُ الشريعة لأهل الكتاب والمجوس إذا أعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون لمصلحةٍ = لا يعني ألَّا ينكرَ التحزُّب المخالفُ للشريعة، وهذا بَدهيٌّ لو تحرَّر حاكم العبيسان من قيود الحرية الغالية المزعومة.

الوجه الرابع: أنَّ غاية دليل الدكتور القياس؛ فقاسَ تجويزَ الشريعة انتسابَ الكافر إلى دينهِ على الانتساب للأحزاب، وهذا قياسٌ فاسد؛ لأنه مصادمٌ للدليل، وقد تقدَّم ذِكرُ الدليل على بطلان هذه التجمعات والأحزاب مع الأدلة المعروفة في إقرار الكفار الكتابيين إذا وافقوا على الجزية (٢).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «هؤلاء (الكفار من أهل الذمة) يقرُّون على دينهم المبتدع، والمنسوخ، مستسرِّين به، والمسلمُ لا يَقرُّ على مبتدع ولا منسوخ،


(١) أبو نعيم (٨/ ١٠٣).
(٢) تقدم (ص: ١٣٥).

<<  <   >  >>