للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زائدةٍ وهي القتال هذا ما لا شكَّ فيه = فقد صحَّ نسخُ معنى تلك الحاديث ورفعُ حكمها حين نطقهِ -عليه السلام- بهذه الأُخَر بلا شك، فمن المحال المحرَّم أن يؤخذَ بالمنسوخ ويتركَ الناسخ، وأن يؤخذَ الشكُّ ويُترك اليقين.

ومَن ادَّعى أن هذه الأخبار بعد أن كانت هي الناسخة فعادت منسوخة، فقد ادَّعى الباطل وقَفا ما لا علمَ له به، فقال على الله ما لم يعلم. وهذا لا يحلُّ ولو كان هذا لما أخلا الله -عز وجل- هذا الحكمَ عن دليلٍ وبرهان يبيِّن به رجوعَ المنسوخ ناسخًا؛ لقوله تعالى في القرآن: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}.

وبرهانٌ آخر وهو أنَّ الله -عز وجل- قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} [الحجرات: ٩]، لم يختلف مسلمان في أن هذه الآية التي فيها فرضُ قتالِ الفئة الباغية مُحكَمةٌ غير منسوخة، فصحَّ أنها الحاكمة في تلك الأحاديث، فما كان موافقًا لهذه الآية فهو الناسخ الثابت، وما كان مخالفًا لها فهو المنسوخ المرفوع، وقد ادَّعى قومٌ أن هذه الآية وهذه الأحاديث في اللصوص دون السلطان.

قال أبو محمد: «وهذا باطلٌ متيقَّن لأنه قولٌ بلا برهان، وما يعجز مدَّعٍ أن يدَّعي في تلك الأحاديث أنها في قومٍ دون قوم، وفي زمانٍ دون زمان، والدَّعوى دون برهان لا تصحُّ، وتخصيصُ النصوص بالدعوى لا يجوز؛ لأنه قولٌ على الله تعالى بلا علم، وقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ سائلًا سأله عَنْ مَنْ طلبَ ماله بغير حقٍّ فقال -عليه السلام-: «لا تُعطِه»، قال: فإنْ قاتلَني؟ قال: «قاتِلْه»، فإنْ قتلتُه؟ قال: «إلى النار»، قال: فإنْ قتَلنَي؟ قال: «فأنت في الجنة» (١)، أو كلامًا هذا معناه،


(١) أخرجه مسلم (١٤٠) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>