ولما وصلت إلى هذا الموضع من خبره، وسقت ما سقته من أثره، قال لى بعض من نظر: لو سقت شيئا مما نسب إليه من أقواله التى كفّر بها، لكنت قد أتيت بأحواله كاملة، فإنّ النفس إذا مرّ بها من الأقوال ما مرّ، اشتهت أن تقف على فحواه. فأجبته إلى ملتمسه، وذكرت ما ساقه غرس النعمة محمد بن الرئيس هلا «١» ابن المحسن بن إبراهيم، فى كتابه «٢»، فإنه قال:
«وفى يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول- يعنى من سنة تسع وأربع وأربعمائه- توفّى بمعرّة النعمان من الشام أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليم التّنوخىّ المعرىّ الشاعر، الأديب الضرير. وكان له شعر كثير، وفيه أدب غزير ويرمى بالإلحاد، وأشعاره دالة على ما نزل به من ذلك. ولم يك يأكل لحوم الحيوان ولا البيض، ولا اللبن، ويقتصر على ما تنبت الأرض، ويحرّم إيلام الحيوان ويظهر الصوم زمانه جميعه. ومولده فى يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
ونحن نذكر طرفا مما بلغنا من شعره، ليعلم صحّة ما يحكى عنه من إلحاده فمن ذلك «٣»:
صرف الزمان مفرّق الإلفين ... فاحكم إلهى بين ذاك وبينى
أنهيت عن قتل النفوس تعمّدا ... وبعثت أنت لقبضها ملكين
وزعمت أنّ لها معادا ثانيا ... ما كان أغناها عن الحالين