للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى أبو الحسن العروضىّ قال: اجتمعت أنا وأبو بكر بن الأنبارىّ عند الراضى [١] بالله على الطعام- وقد كان الطباخ عرف ما يأكل أبو بكر، وكان يشوى له قلّية [٢] يابسة- قال: فأكلنا نحن من أنواع الطعام وأطايبه، وهو يعالج تلك الفليّة.

ثم فرغنا فأتيناه بحلواء فلم يأكل منها، وقام وقمنا إلى الخيش فنام بين يدى الخيش ونمنا نحن فى خيش ينافس فيه، ولم يشرب ماء إلى العصر. فلمّا كان العصر قال لغلام: الوظيفة، فجاءه بماء من الحب [٣]، وترك الماء المزمّل بالثلج، فغاظنى امره، فصحت صيحة، فأمر أمير المؤمنين بإحضارى وقال: ما قصتك؟ فاخبرته وقلت: هذا يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه؛ لأنه يقتلها ولا يحسن عشرتها. قال: فضحك وقال: له فى هذا لذّة، وقد جرت به العادة، وصار إلفا فليس يضرّه. ثم قلت: يا أبا بكر، لم تفعل هذا بنفسك؟ قال: أبقى على حفظى. قلت له: قد أكثر الناس فى حفظك فكم تحفظ؟ قال: احفظ ثلاثة عشر صندوقا. قال محمد بن جعفر: وهذا ما لا يحقه لأحد من قبله ولا من بعده.

وكان أحفظ الناس للغة والنحو والشعر وتفسير القرآن. وحدّث أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها.

وقال أبو الحسن العروضى: كان يتردّد ابن الأنبارى إلى أولاد الراضى بالله، وكان يوما من الأيام قد سألته جارية عن شىء من تفسير الرؤيا، فقال: أنا حافن،


[١] هو أبو العباس أحمد بن المقتدر بن المعتضد، المعروف بالراضى، الخليفة العباسى بويع سنة ٣٢٢، وتوفى سنة ٣٢٩. الفخرى ص ٢٤٦.
[٢] القلية، كغنية: مرقة تتخذ من لحوم الجزور وأكبادها.
[٣] الحب، بضم الحاء: إناء معروف للماء (عن الخفاجى).

<<  <  ج: ص:  >  >>