للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو علىّ القالىّ: كان أبو بكر بن الأنبارىّ يحفظ فيما ذكر ثلاثمائة ألف بيت شاهدة فى القرآن. وله أوضاع شتى كثيرة. وكان ثقة ديّنا صدوقا. وكان ممن تقدّم من الكوفيين. وقال غيره: كان ابن الأنبارىّ شحيحا، وكذلك أبو عبد الله نفطويه؛ إلا أن نفطويه كان يعاشر الناس ويحضر مجالسهم. وكان ابن الأنبارىّ لا يفعل ذلك. وكان يأكل كلّ جمعة طباهجة [١] تصلح له بلحم أحمر ومرّىّ [٢]، وما أكل له أحد قطّ شيئا، وكان ذا يسار وحال واسعة، ولم يكن له عيال. وكان لنفطويه جوار إحداهن قارئة بالألحان، وكانت له بنت.

ووقف أبو يوسف المعروف بالأقسامى على أبى بكر بن الأنبارىّ يوما فى جامع المنصور ببغداذ، فقال له: يا أبا بكر، قد أجمع سبع فراسخ ناسا على شىء- يعنى أهل بغداذ- فأعطنى درهما حتى أفرّق الإجماع، فقال: وما هذا الإجماع يا أبا يوسف؟ قال: أجمع أهل البلد عن آخرهم على أنك بخيل. فضحك ولم يعطه شيئا.

قال الزّبيدىّ: «توفى أبو بكر بن الأنبارىّ سنة سبع وعشرين وثلاثمائة يوم الأضحى» وكأنّ الأوّل أثبت، والله أعلم.

قال محمد بن إسحاق النديم فى كتابه: «أخذ محمد بن بشار عن أبيه وعن أبى جعفر أحمد بن عبيد، وأخذ النحو عن ثعلب. وكان أفضل من أبيه وأعلم، فى نهاية الذكاء والفطنة وجودة القريحة وسرعة الحفظ، وكان مع ذلك ورعا من الصالحين، لا تعرف له زلّة. وكان يضرب به المثل فى حضور البديهة وسرعة الجواب. وكان أكثر ما يملّه عن غير دفتر ولا كتاب، ولم يمت عن سنّ عالية.

مات عن دون الخمسين كثيرا. توفى سنة ثمان وعشرين من ذى القعدة ودفن فى داره».


[١] الطباهجة: اللحم المشرح، معرب «تباهة». القاموس.
[٢] المرىّ كدرىّ: إدام كالكامخ يؤتدم به. وهو يستعمل لتشهى الطعام (شرح القاموس).

<<  <  ج: ص:  >  >>