للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيخ هذه المدينة؛ وقد أحببت أن أقرأ عليك كتاب سيبويه. فقال:

«الدين النصيحة»؛ إن أردت أن تنتفع بما تقرؤه فاقرأ على هذا الغلام، محمد بن يزيد، فتعجّبت من ذلك.

وكان سبب حمله من البصرة فيما ذكره أحمد بن حرب صاحب الطيّلسان [١] قال:

قرأ المتوكل يوما وبحضرته الفتح بن خاقان: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ

فقال له الفتح بن خاقان: (إنّها) بالكسر يا سيدي. فتبايعا على عشرة آلاف درهم، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلبىّ- وكان صديقا للمبرّد- ولما وقف يزيد على ذلك خاف أن يسقط عند أحدهما، فقال: ما أعرف الفرق بينهما، وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدّم. فقال المتوكل: فليس هاهنا من يسأل عن هذا؟ فقال: ما أعرف أحدا يتقدّم فتى بالبصرة يعرف بالمبرّد.

فقال: ينبغى أن يشخص، فنفذ الكتاب إلى محمد بن القاسم بن محمد بن سليمان الهاشمىّ بأن يشخصه مكرّما.

قال محمد بن يزيد: فوردت سرّ من رأى، فأدخلت على الفتح بن خاقان، فقال: يا بصرىّ، كيف تفسّر هذا الحرف: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ [٢]

؟ بالفتح أو بالكسر؟ فقلت: إنها بالكسر، وهو الجيّد


[١] هو أحمد بن حرب المهلبى، وكان قد وهب الحمدونىّ الشاعر طيلسانا لم يرضه. قال أبو العباس المبرد: فأنشدنا فيه عشر مقطعات، فاستحلينا مذهبه فيها، فجعلها فوق الخمسين، فطارت كل مطار، وذهب فيها كل مذهب؛ فمنها:
يابن حرب كسوتنى طيلسانا ... ملّ من صحبة الزمان وصدّا
فحسبنا نسج العناكب قد حا ... ل إلى ضعف طيلسانك سدّا
طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدّى
وانظر (زهر الآداب ٢: ٢٣٤ - ٢٣٧).
[٢] سورة الأنعام آية ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>