من أصحابه فلمّا صاروا بين يديه قال له إبراهيم بن السّرىّ: أتأذن- أعزّك الله- فى المفاتشة؟ فقال له المبرّد: سل عمّا أحببت، فسأله عن مسألة فأجابه عنها بجواب أقنعه، فنظر الّزجاج فى وجوه أصحابه متعجّبا من تجويد أبى العباس للجواب [، فلما انقضى ذلك قال له أبو العباس: أقنعت بالجواب؟ [١]]. فقال: نعم؛ [قال [١]]: فإن قال قائل فى جوابنا هذا كذا، ما أنت راجع إليه؟ وجعل أبو العباس يوهن جواب المسألة ويفسده ويعتلّ فيه. فبقى إبراهيم بن السرىّ سادرا لا يحير جوابا، ثم قال: إن رأى الشيخ- أعزّه الله- أن يقول فى ذلك. فقال المبرّد: فإنّ القول على نحو كذا؛ فصحّح الجواب الأوّل وأوهن الاعتراض. فبقى الزجاج مبهوتا، ثم قال فى نفسه: قد يجوز أنه كان حافظا لهذه المسألة، مستعدا للقول فيها؛ فسأله مسألة ثانية، ففعل المبرّد فيها ما فعله [فى] الأولى؛ حتى سأله أربع عشرة مسألة، وهو يجيب عن كلّ واحدة منها بما فعله فى المسألة الأولى.
فلما رأى ذلك الزّجّاج قال لأصحابه: عودوا إلى الشيخ، فلست مفارقا هذا الرجل، ولا بدّ لى من ملازمته والأخذ عنه. فعاتبه أصحابه وقالوا: تأخذ عن مجهول لا يعرف اسمه، وتدع من شهر اسمه وعلمه، وانتشر فى الآفاق ذكره! فقال:
لست أقول بالذّكر والخمول؛ ولكنّى أقول بالعلم والعمل. قال: فلزم أبا العباس، فسأله عن حاله فأخبره برغبته فى النظر، وأنه قد حبس نفسه على ذلك؛ إلا ما يشغله من صناعة الزّجاج فى كل خمسة أيام من الشهر؛ فيتقوّت بذلك الشّهر كلّه. ثم أجرى عليه فى الشهر ثلاثين درهما، وأمره أبو العباس المبرّد بإخراج كتب الكوفيين، ولم يزل ملازما له، وآخذا عنه حتى برع من بين أصحابه. وكان أبو العباس لا يقرىء أحدا كتاب سيبويه حتى يقرأه على إبراهيم ويصحّح به كتابه؛ فكان ذلك أوّل رياسة أبى إسحاق الزجّاج.