للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر العجوزىّ [١] قال: كنت يوما عند أبى العباس محمد بن يزيد فأتاه رجل على دابّة على كتفه طيلسان أخضر، فلما رآه قام إليه فاعتنقه، فأكبر الرّجل قيامه إليه، وقال: أتقوم إلىّ يا أبا العبّاس؟ فقال له:

أينكر أن أقوم إذا بدا لى ... لأكرمه وأعظمه هشام

ولا تعجب لإسراعى إليه ... فإنّ لمثله ذخر القيام

وكان المبرّد ممسكا بخيلا، يقول: ما وزنت شيئا بالدرهم إلا ورجح الدّرهم فى نفسى، هذا مع السّعة التى كان فيها، وكان ثعلب أشدّ منه فى الاستمساك، وكان المبرّد يصرّح بالطلب، وثعلب يعرّض ويلوّح.

ولما قتل المتوكّل بسرّ من رأى دخل المبرّد إلى بغداذ، فقدم بلدا لا عهد له بأهله، فاختلّ وأدركته الحاجة، فتوخّى شهود صلاة الجمعة، فلما قضيت الصلاة أقبل على بعض من حضره، وسأله أن يفاتحه السؤال ليتسبّب له القول، فلم يكن عند من حضره علم؛ فلما رأى ذلك رفع صوته وطفق يفسّر ويوهم بذلك أنه قد سئل؛ فصارت حوله حلقه عظيمة، وأبو العباس يصل فى ذلك كلامه.

فتشوّف أحمد بن يحيى ثعلب إلى الحلقة، وكان كثيرا ما يرد الجامع قوم خراسانيّون من ذوى النظر؛ فيتكلّمون ويجتمع الناس حولهم، فاذا أبصرهم ثعلب أرسل من تلاميذه من يفاتشهم، فإذا انقطعوا عن الجواب انفضّ الناس عنهم.

فلما نظر ثعلب إلى من حول أبى العباس المبرّد أمر إبراهيم بن السّرىّ الزّجّاج وابن الخيّاط [٢] بالنهوض، وقال لهما: فضّا حلقة هذا الرجل، فنهض معهما من حضر


[١] هو أبو بكر أحمد بن محمد بن بشار العجوزىّ، البغدادىّ، توفى سنة ٣١١. تاريخ بغداد (٤: ٤٠٠).
[٢] كذا فى الأصلين، وفى طبقات الزبيدى «ابن الحائك».

<<  <  ج: ص:  >  >>