للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال حبيب بن بسطام الورّاق الأزدىّ البصرىّ: أردت الخروج إلى البصرة إلى المفضّل بن محمد لأكتب عنه، فأقمت مدة أروّض نفسى فى ذلك، ثم تحمّلت فوردت الكوفة، ثم فكرت فى أنه إن علم أنى من أهل البصرة شنئنى [١]، وإن عرف أنى أزدىّ كان أشدّ بغضا، فلقيته فسلّمت عليه، فردّ علىّ، [و] قال: ممّن الرجل؟ قلت: ممّن منّ الله عليهم بالإسلام، قال: والناس كلهم كذلك، ثم قال:

فلمن ولاؤك؟ قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من أين أقبلت؟

قلت: من أرض الهند- وكانت البصرة يومئذ تعدّ من الهند- فورّيت عن كلّ سؤاله ولم أكذب، ولزمته وخففت على قلبه، فكنت معه يوما فى دكان رجل يبيع الخبط [٢] والنّوى، إذ جاء أعرابى على ناقة رثة الأداة، فأبركها قريبا، ثم نزل فكشف عن وجه كالدّينار المشرق، ثم سلّم فرددنا عليه السلام، فقال له المفضّل: ممّن الرجل؟ قال: من طيئ؛ فقال له المفضّل- وكان قليل المزح:

وما طيّئ إلا نبيط تجمّعت ... فقالوا «طيايا» كلمة فاستمرّت

فاندفق الفتى بلسان كذلق [٣] السّنان، فقال:

إنّ على سائلنا أن نسأله ... والعبء لا تعرفه أو تحمله

نسبتنا فانتسب لنا، فلم يجد المفضّل بدّا من أن يجيبه، فقال: رجل من ضبّة؛ فقال الأعرابىّ: وإنى لأكلم ضبّيّا منذ اليوم: والله ما أراه إلا ذنبا عجلت لى عقوبته، يا أخا بنى ضبّة، أفتعرف الذى يقول:

إذا لقيت رجلا من ضبه ... فنكه قصدا فى سواء السّبّه [٤]

لىّ العراقىّ عفاص الدّبّه [٥]


[١] فى ب: «سبعنى»، وسبعنى: سبنى وشتمنى.
[٢] الخبط، محرّكة: الورق الساقط من ضرب الشجر.
[٣] ذلق السنان: حدّ طرفه.
[٤] السبة: الاست.
[٥] العفاص: صمام القارورة، والدبة: وعاء الدهن والزيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>