للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستعادها الصوت ثلاث مرات، وشرب ثلاثة أرطال في ثلاثة أقداح، ثم قال: يا يزيدىّ، يكون شىء أحسن مما نحن فيه! قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: وما هو؟ قلت: الشكر لمن خوّلك هذا الإنعام العظيم الجليل! فقال:

أحسنت وصدقت، ووصلنى، وأمر بمائة ألف درهم يتصدّق بها، فكأنّى أنظر إلى البدر وقد أخرجت، والمال يفرّق.

وكان اليزيدىّ يكلّم الأمين والمأمون بكلام يتفصّحان به، ويقول لهما:

كان أولاد الخلفاء من بنى أميّة، يخرج بهم إلى البدو حتى يتفصّحوا، وأنتم أولى بالفصاحة منهم، فأكلا معه يوما [١] كمأة وقصرا [٢]؛ فقال لهما:

كلا كلاكما كمأ كما كما ... لا تنبوا، إن تنبوا لا تنبلا

فمضى الخادم الموكّل بهما إلى الرشيد، وقال: علّمهما اليوم كلام الزّنجية، فاستدعاه الرشيد وقال له: ما حاجتهما إلى كلام الزّنج، فلم علّمتهما؟ فقال اليزيدىّ:

والله ما أحسنها، فقال الخادم: بلى، فعرّفه الحال، وقال: أنا آخذهما بأمثال ذلك ليتفّصحا، فقال له الرشيد: لا تلم الخادم، فلولا التّقدمة لظننته بالزنجية؛ وأنشد:

لكل أناس مألف من طباعهم

وشكا اليزيدىّ إلى المأمون خلّة أصابته، ودينا لحقه، فقال: ما عندنا فى هذه الأيام ما إن أعطينا كه بلغت به ما تريد، قال: يا أمير المؤمنين، إن الأمر ضاق علىّ، وإنّ غرمائى أرهقونى، فاحتل لى. فأفكر، واستقرّ


[١] الكمأة: ثبات ينقض الأرض فيخرج كما يخرج الفطر. اللسان.
[٢] القصر: القشر على الجب. وقد ورد هذا الغريب والبيت محرقا في الأصلين أشدّ التحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>