للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد شهد الله تعالى للمملوك أنه في سفره وحضره، وسرّه وعلنه، وخبره ومخبره، شعاره تعطير مجالس الفضلاء ومحافل العلماء بفوائد حضرته، والفضائل المستفادة من فضلته، افتخارا بذلك بين الأنام، وتطريزا لما يأتى به في أثناء الكلام.

إذا أنا شرّفت الورى بقصائدى ... على طمع شرّفت شعرى بذكره

(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)

[١]. لا حرمنا الله معاشر أوليائه موادّ فضائله المتتالية، ولا أخلانا كافّة عبيده من أياديه المتوالية. اللهمّ رب الأرض المدحيّة، والسّماوات العليّة، والبحار المسجّرة، والرياح المسخرة، استمع ندائى، واستجب دعائى، وبلّغنّى في معاليه ما نؤمّله ونرتجيه، بمحمد النبى وصحبه وذويه! وقد كان المملوك لمّا فارق ذلك الجناب الشّريف، وانفصل عن مقرّ العزّ اللباب والفضل المنيف، أراد استعتاب الدّهر الكالح، واستدرار خلف [٢] الزّمن الغشوم الجامح، اغترارا بأنّ في الحركة بركة، والاغتراب داعية الاكتساب، والمقام على الإقتار ذلّ وانتقام، وحلس [٣] البيت، في المحافل سكيت [٤]:

وقفت وقوف الشّكّ ثم استمرّ بى ... يقينى بأنّ الموت خير من الفقر

فودّعت من أهوى وبالقلب ما به ... وسرت عن الأوطان في طلب اليسر

وباكية للبين قلت لها اصبرى ... فللموت خير من حياة على عسر

سأكسب مالا أو أموت ببلدة ... يقلّ بها فيض الدّموع على قبرى


[١] سورة الحجرات ١٧.
[٢] الخلف، بالكسر: حلمة ضرع الناقة، والكلام على الاستعارة.
[٣] حلس البيت: الذى لا يبرح مكانه. وفي ابن خلكان: «جليس».
[٤] السكيت: آخر الحلبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>