للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفقودة، فأقبل عليها إقبال النّهم الحريص، وقابلها بمقام لا يزمع عنها معه محيص، فجعل يرتع في حدائقها، ويستمتع بحسن خلقها وخلائفها، ويسرّح طرفه فى طرفها، ويتلذّذ بمبسوطها ونتفها، واعتقد المقام بذلك الجناب، إلى أن يجاور التّراب:

إذا ما الدهر بيّتنى بجيش ... طليعته اغتمام واكتئاب [١].

شننت عليه من جهتى كمينا ... أميراه الذّبالة والكتاب

وبتّ أنصّ من شيم اللّيالى ... عجائب في حقائقها ارتياب

بها أجلى همومى مستريحا ... إذا جلّى همومهم الشّراب [٢].

إلى أن حدث بخراسان ما حدث من الخراب، والويل المبير والتّباب. وكانت لعمر الله بلادا مونقة الأرجاء، رائقة الأنحاء، ذات رياض أريضة [٣]، وأهوية صحيحة مريضة، قد تغنّت أطيارها، فتمايلت طرّبا أشجارها، وبكت أنهارها، فتضاحكت أزهارها، وطاب روح نسيمها، فصحّ مزاج إقليمها، فلعهدى بتلك الرّياض الأنيقة، والأشجار المتهدّلة الوريقة، وقد ساقت إليها أرواح الجنائب، زقاق خمر السّحائب، قسقت مروجها مدام الطّلّ، فنشأ عن [٤] أزهارها حباب كاللؤلؤ المنحلّ، فلما رويت من تلك الصّهباء أشجاره، رنّحها النّسيم وخماره [٥]، فتدانت ولا تدانى المحبّين، وتعانقت ولا عناق العاشقين،


[١] ابن خلكان: «واغتراب».
[٢] ابن خلكان: «كما جلى».
[٣] أريضة: معجبة للعين رك ية.
[٤] ابن خلكان: «على».
[٥] الخمار: بقية السكر، وفي ابن خلكان: «رنحها من النسيم وخماره».

<<  <  ج: ص:  >  >>