للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد؛ فليس للملوك ما يسلّى به خاطره، ويعزّى به قلبه وناظره، إلّا التّعليل بإزاحة العلل، إذا هو بالحضرة الشريفة مثل.

فاسلم ودم وتملّ العيش في دعة ... ففى بقائك ما يسلى عن السّلف [١].

فأنت للمجد روح، والورى جسد ... وأنت درّ فلا نأسى على الصّدف

والمملوك الآن بالموصل مقيم، يعالج ممّا حزبه [٢] من هذا الأمر المقعد المقيم، يزجى وقته، ويمارس حرفته [٣] وبخته، تكاد تقول له باللسان القويم: (تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)

[٤] يذيب نفسه في تحصيل أغراض، هى لعمر الله أعراض، من صحف يكتبها، وأوراق يستصحبها، نصبه فيها طويل، واستماعه بها قليل، ثمّ الرحيل. وقد عزم بعد قضاء نهمته [٥]، وبلوغ بعض وطر قرونته [٦]، أن يستمدّ التوفيق، ويركب سنن الطريق، عساه يبلغ أمنيّته من المثول بالحضرة، وإتحاف بصره من خلالها ولو بنظرة، ويلقى عصا التّرحال بفنائها الفسيح، ويقيم تحت ظلّ كنفها إلى أن يصادفه الأجل المريح، وينظم نفسه في سلك مماليكها بحضرتها، كما ينتمى إليها في غيبتها، إن مدّت السعادة بضبعه، وسمح له الدّهر بعد الخفض برفعه، فقد ضعفت قواه عن درك الآمال، وعجز عن معاركة الزّمان والنزّال، إذ ضمّت البسيطة إخوانه، وحجب الجديدان أقرانه، ونزل المشيب بعذاره،


[١] كذا في ب وابن خلكان، وفي الأصل: «ما أسلى عن السلف».
[٢] ابن خلكان: «لما خرّبه».
[٣] الحرفة: الحرمان.
[٤] سورة يوسف ٩٥.
[٥] النهمة: الحاجة.
[٦] القرونة؛ بفتح القاف: النفس.

<<  <  ج: ص:  >  >>