للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضعفت منه أوطاره [١]، وانقضّ باز الشّيب على غراب شبابه فقنصه، وأكبّ نهار الحلم على ليل الجهل فوقصه، وتبدّلت محاسنه عند أحبابه مساوئ وخصصة، واستعاض من حلّة الشّباب القشيب، خلق الكبر والمشيب.

وشباب بان منّى وانقضى ... قبل أن أقضى منه أربى

وما أرجّى بعده الّا الفنا ... ضيّق الشيب على مطّلبى

وقد ندب المملوك أيام الشباب بهذه الأبيات، وما أقلّ غناء الباكى على من عدّ فى الرّفات!

تنكّر لى مذ شبت دهرى وأصبحت ... معارفه عندى من النّكرات

إذا ذكرتها النّفس حنّت صبابة ... وجادت شئون العين بالعبرات

إلى أن أتى دهر يحسّن ما مضى ... ويوسعنى تذكاره حسرات

فكيف ولمّا يبق من كأس مشربى ... سوى جرع في قعره كدرات

وكلّ أناء صفوه في ابتدائه ... وفي القعر مزجى حمأة وقذاة [٢].

والمملوك يتيّقن أنه لا ينفق هذا الهذر [٣] الّذى مضى؛ إلا النّظر إليه بعين الرّضا، ولرأى مولانا الوزير الصاحب، كهف الورى بمشارق ومغارب [٤]، فيما يلاحظه منه بعادة مجده منه مزيد مناقب ومراتب، والسّلام.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله خير الأنام وشرّف وكرّم.


[١] ابن خلكان: «وضعفت قوى أوطاره».
[٢] ابن خلكان: «ويرسب في عقباه كل قذاة».
[٣] ابن خلكان: «القذر».
[٤] ابن خلكان: «فى المشارق والمغارب».

<<  <  ج: ص:  >  >>