وكان ثعلب لا يكاد يجتمع مع المبرّد فى مجلس، للسبب الذى تقدّم ذكره، فإذا تلاقيا فى الطريق تواقفا وتساءلا- رحمهما الله.
وكانت بنت أبى العباس قد استهلكت له ألف دينار من ألفى دينار، فطالبها بذلك أشدّ مطالبة، وأغلظ لها، وجمع عليها أصحابه، وناظرها بحضرتهم، فقالت له من وراء السّتر: أنت أعرف بموضع الدنانير، كان الوقت صيفا كما علمت، وكنت تخرج عنا بكرا «٣»؛ فإذا انتصف النهار ترجع إلينا؛ فتخلع ثيابك، وتقول: عندكم شىء نأكله؟ فتخرج إليك الجارية مائدة، عليها أرغفة سميذ؛ وقطعة من جدى أو دجاجة، أو بذج «٤»، وفضلة من جام «٥»، حلواء، فتأكل من ذلك، ولا تقول: من أين لكم هذا، فلا يزال ذلك دأبك، ولا تسأل عمّا يقدّم إليك، ولا عمّا ترى من الفاكهة والطّيبات؛ يا أصحابه، قولوا له: تلك الدنانير ذهبت فيما كنت تأكله ولا تسأل عنه؛ نأكل ونطعمك. فافترقا، وقد أوجبت عليه الحجّة، ولم يصل منها إلى درهم واحد.