نبعه، ونتفرّج به، فشحّت نفسى بالكتب، وقلت لها: أمهلينى «١» بقيّة اليوم والليلة، فالله مرجوّ الفرج، فما دخل الليل حتى دقّ الباب، فقلت: من؟ قال: رجل، قلت: ادخل. قال أطف «٢» السراج؛ قال: فكببت على السراج شيئا، ودخل فوضع شيئا كان معه إلى جانبى، [وانصرف]«٣»، فرفعت الغطاء عن السّراج، فإذا شىء ملفوف، فكشفته فإذا هى أطعمة، وإذا فيها قرطاس فيه خمسمائة درهم، فقلت للمرأة: أنبهى الصّبيّين ليأكلا، وأوفى ما علينا من دين.
فلما أصبحت جلست على باب الدار، وإذا رجل معه جملان محمّلان، وكان الحاجّ»
الخراسانىّ قد قدم، وهو يسأل عن بيت إبراهيم الحربىّ، فقلت له: أنا إبراهيم، فقال: قد سيّر إليك رجل من خراسان هذين الحملين، وهما ورق خراسانىّ، فقلت: من هو؟ فقال: قد أحلفنى ألّا أذكر لك اسمه، فأخذتهما منه، ودعوت الله لمرسلهما وللحامل.
وسيّر إليه المعتضد «٥» عشرة آلاف درهم، فلم يقبلها، فقيل له: فرّقها فى جيرانك، فقال للرسول: قل لأمير المؤمنين: هذا مال ما تعبنا فى جمعه، فلا نتعب فى تفريقه، فإن تركنا أمير المؤمنين، وإلا رحلنا من جواره.
وسيّر إليه المعتضد وهو مريض ألف دينار، فلم يقبلها وردّها، فخاصمته بنته، فقال لها: أتخشين إذا متّ الفقر؟ فقالت: نعم. قال لها: فى تلك الزاوية اثنا عشر ألف جزء حديثية ولغويّة وغير ذلك، كتبتها بخطّى، فبيعى منها كلّ يوم جزءا بدرهم. ومن له اثنا عشر ألف درهم ليس بفقير!