للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينار- وكانت غاية أمنيّتى- فما مضت إلا سنون حتى ولى القاسم الوزارة، وإنّى على ملازمتى له، وقد صرت نديما له، فدعتنى نفسى إلى إذكاره بالوعد؛ ثم هبته، فلما كان فى اليوم الثالث من وزارته قال لى: يا أبا إسحاق، لم أرك أذكرتنى بالنّذر! فقلت: عوّلت على رعاية الوزير- أيّده الله- وأنّه لا يحتاج إلى إذكار لنذر عليه فى أمر خادم واجب الحق، فقال لى: إنه المعتضد، ولو لاه «١» ما تعاظمنى دفع ذلك كلّه إليك فى مكان واحد، ولكن أخاف أن يصير لى معه حديث، فاسمح لى بأخذه متفرّقا، فقلت: يا سيدى افعل. فقال: اجلس للناس، وخذ رقاعهم فى الحوائج الكبار؛ واستجعل «٢» عليها، ولا تمتنع من مسألتى شيئا تخاطب فيه، صحيحا كان أو محالا، إلى أن يحصل لك مال النّذر. قال: ففعلت ذلك، وكنت أعرض عليه كلّ يوم رقاعا، فيوقّع فيها، وربما قال لى: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول: كذا وكذا، فيقول: غبنت! هذا يساوى كذا وكذا، ارجع فاستردّ، فأراجع القوم، فلا أزال أماكسهم «٣» ويزيدوننى، حتى أبلغ الحدّ الذى رسمه.

قال: وعرضت عليه شيئا عظيما، فحصلت عندى عشرين ألف دينار وأكثر منها فى مديدة. فقال لى بعد شهور: يا أبا إسحاق، حصل مال النّذر؟ فقلت: لا، فسكت، وكنت أعرض عليه؛ فيسألنى فى كل شهر أو نحوه: هل حصل المال؟

فأقول: لا، خوفا من انقطاع الكسب، إلى أن حصل عندى ضعف ذلك المال.

وسألنى يوما، فاستحييت من الكذب المتّصل، فقلت: قد حصل ذلك ببركة الوزير، فقال: فرّجت والله عنى، فقد كنت مشغول القلب إلّا أن يحصل لك.

<<  <  ج: ص:  >  >>