فأدّت فيه صنعة حسنة، فطرب القاسم عليه طربا شديدا، واستحسن فيه الصنعة جدا والشعر، فأفرط. فقالت له بدعة: يا مولاى، إن لهذا الشعر خبرا حسنا أحسن منه. قال: وما هو؟ قالت: هو لأبى خازم «١» القاضى.
قال: فعجبنا من ذلك مع شدّة تقشّف أبى خازم وورعه وتقبّضه. فقال له الوزير: بالله يا أبا إسحاق! اركب إلى أبى خازم، واسأله عن هذا الشعر وسببه.
فباكرته، وجلست حتى خلا وجهه، ولم يبق إلا رجل بزىّ القضاة، عليه قلنسوة، فقلت له: بيننا شىء أقوله على خلوة، فقال: فليس هذا ممّن أكتمه شيئا. فقصصت عليه الخبر، وسألته عن الشعر والسبب، فتبسّم، وقال: هذا شىء قلته فى الحداثة، كنت قلته فى والدة هذا- وأومى إلى القاضى الجالس، فإذا هو ابنه- وكنت إليها مائلا، وكانت لى مملوكة، ولقلبى مالكة، فأما الآن فلا عهد لى بمثله منذ سنين، ولا عملت شعرا منذ دهر طويل، وأنا أستغفر الله مما مضى. فوجم الفتى حتى ارفضّ عرقا، وعدت إلى القاسم، فأخبرته، فضحك من خجل الابن.
وكنّا نتعاود ذلك زمانا.
كان قد ولى القضاء بالبصرة فى سنة نيّف وخمسين وثلاثمائة رجل لم يكن عندهم بمنزلة من صرف به، لأنه قد ولّى صارفا لأبى الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمىّ، فقال فيه أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدىّ هذا- كاتب القاضيين أبى القاسم جعفر وأبى الحسن محمد بن عبد الواحد: