هذا هو الأشهر من أمر ابتداء النحو. وقد تعرّض الزجّاجىّ أبو القاسم إلى شرح هذا الفصل من كلام علىّ، كرم الله وجهه.
ورأيت بمصر فى زمن الطلب بأيدى الورّاقين جزءا فيه أبواب من النحو، يجمعون على أنها مقدّمة علىّ بن أبى طالب التى أخذها عنه أبو الأسود الدّؤلىّ.
وروى أيضا عن أبى الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب- عليه السلام- فأخرج لى رقعة فيها: الكلام كلّه اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. قال: فقلت: ما دعاك إلى هذا؟ قال: رأيت فسادا فى كلام بعض أهلى؛ فأحببت أن أرسم رسما يعرف به الصواب من الخطأ. فأخذ أبو الأسود النحو عن على- عليه السلام- ولم يظهره لأحد.
ثم إن زيادا سمع بشىء مما عند أبى الأسود، ورأى اللحن قد فشا؛ فقال لأبى الأسود: أظهر ما عندك ليكون للناس إماما. فامتنع من ذلك، وسأله الإعفاء، حتى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولِهِ بالكسر؛ فقال: ما ظننت أمر الناس آل إلى هذا. فرجع إلى زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير؛ فليبغنى «١» كاتبا لقنا «٢» يفعل ما أقول، فأتى بكاتب من عبد القيس «٣»، فلم يرضه، فأتى بكاتب آخر- قال المبرّد: أحسبه منهم- فقال له أبو الأسود:
إذا رأيتنى قد فتحت فمى بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن ضممت فمى فانقط نقطة بين يدى الحرف، وإن كسرت فاجعل نقطة من تحت الحرف، وإن مكّنت «٤» الكلمة بالتنوين فاجعل أمارة ذلك نقطتين. ففعل ذلك، وكان أوّل ما وضعه لهذا السبب.