وجمع فى حالة انقطاعه تعليقة كبيرة فى النحو؛ قيل لنا: لو بيّضت قاربت خمسة عشر مجلدا، وسماها النحاة بعده الذين وصلت إليهم تعليق الغرفة وانتقلت هذه التّعليقة إلى تلميذه أبى عبد الله محمد بن بركات السعيدىّ النحوىّ اللغوىّ المتصدّر بموضعه والمتولى للتحرير. ثم انتقلت بعد ابن البركات المذكور إلى صاحبه أبى محمد عبد الله بن برّىّ النحوىّ المتصدّر فى موضعه والمتولّى للتحرير. ثم انتقلت بعده إلى صاحبه الشيخ أبى الحسين النحوىّ المنبوز بثلط «١» الفيل، المتصدّر فى موضعه.
وقيل إن كل واحد من هؤلاء كان يهبها لتلميذه المذكور، ويعهد إليه بحفظها. ولقد اجتهد جماعة من طلبة الأدب فى انتساخها، فلم يمكن.
ولما توفى أبو الحسين النحوىّ المقدّم ذكره، وبلغنى ذلك وأنا مقيم بحلب أرسلت من أثق به، وسألته تحصيل تعليق الغرفة بأى ثمن بلغت، وكتاب التذكرة لأبى علىّ. فلما عاد ذكر أن الكتابين وصلا إلى ملك مصر الكامل محمد «٢» بن العادل أبى بكر بن نجم الدين أيوب، فإنه يرغب فى النحو وغريب ما صنّف فيه.
وذكر أن سبب تزهّد طاهر بن بابشاذ- رحمه الله- أنه كان له قطّ قد أنس به وربّاه أحسن تربية، فكان طاهر الخلق، لا يخطف شيئا، ولا يؤذى على عادة القطط. وأنه يوما اختطف من يديه فرخ حمام مشوىّ، فعجب له، ثم عاد بعد أن غاب ساعة، فاختطف فرخا آخر وذهب؛ فتتبعه الشيخ إلى خرق فى البيت، فرآه قد دخل الخرق، وقفز منه إلى سطح قريب، وقد وضع الفرخ بين يدى قطّ هناك. فتأمله الشيخ فإذا القط أعمى مفلوج لا يقدر على الانبعاث.