سلّمت قال لى: يا كسائىّ، أىّ لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد. فقال: أمّا هذا فنعم! قال خلف «١»: كان الكسائىّ إذا كان شعبان وضع له منبر فقرأ هو على الناس فى كلّ يوم نصف سبع «٢»؛ يختم ختمتين فى شعبان، وكنت أجلس أسفل المنبر، فقرأ يوما فى سورة الكهف:(أنا أكثر)«٣» [فنصب «أكثر»«٤»] فعلمت أنه قد وقع فيه، فلما فرغ أقبل الناس يسألونه عن العلة فى (أكثر) لم نصبه؟ فثرت «٥» فى وجوههم: إنه أراد فى فتحه أقلّ (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا)
«٦». فقال الكسائىّ (أَكْثَرُ)
، فمحوه من كتبهم. ثم قال لى: يا خلف، يكون أحد من بعدى يسلم من اللحن؟ قال: قلت: لا؛ إنما إذا لم تسلم منه أنت، فلم يسلم منه أحد بعدك، قرأت القرآن صغيرا، وأقرأت الناس كبيرا، وطلبت الآثار فيه والنحو.
وقال الفرّاء: سمعت الكسائىّ يقول: ربما سبقنى لسانى باللحن فلا يمكننى أن أردّه. أو كلاما نحو هذا.
واجتمع الكسائىّ واليزيدىّ «٧» عند الرشيد فحضرت صلاة يجهر فيها، فقدّموا الكسائىّ يصلّى، فأرتج عليه قوله:(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)
فلما سلّم قال اليزيدىّ:
قارئ أهل الكوفة يرتج عليه (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)
! فحضرت صلاة يجهر فيها فقدّموا اليزيدىّ فأرتج عليه فى سورة «الحمد» فلما سلّم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ... «إن البلاء موكّل بالمنطق»«٨»