للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفرّاء: لقيت الكسائىّ يوما فرأيته كالباكى، فقلت له: ما يبكيك؟

فقال: هذا الملك يحيى «١» بن خالد، يوجّه إلىّ فيحضرنى، فيسألنى عن الشئ؛ فإن أبطأت فى الجواب لحقنى منه عتب، وإن بادرت لم آمن الزلل. قال:

فقلت له ممتحنا: يا أبا الحسن، من يعترض عليك! قل ما شئت، فأنت الكسائى.

فأخذ لسانه بيده وقال: قطعه الله إذا إن قلت ما لا أعلم! قال أبو عمر الدّورىّ: لم يغيّر الكسائىّ شيئا من حاله مع السلطان إلا لباسه قال: فرآه بعض علماء الكوفيين وعليه جربّانات «٢» عظام، فقال له: يا أبا الحسن، ما هذا الزّىّ؟ فقال: أدب من أدب السلطان، لا يثلم دينا، ولا يدخل فى بدعة، ولا يخرج عن سنّة.

وذكر ابن أبى طاهر أنّ الكسائىّ النحوىّ كتب إلى الرشيد بهذه الأبيات،- وهو يؤدّب ولده محمدا- واحتاج إلى التزويج:

قل للخليفة ما تقول لمن ... أمسى إليك بحرمة يدلى

ما زلت مذ صار الأمين معى ... عبدى يدى ومطيّتى رجلى

وعلى فراشى من ينّبهنى ... من نومتى وقيامه قبلى

أسعى برجل منه ثالثة ... موقورة منّى بلا رحل

وإذا ركبت أكون مرتدفا ... قدام سرجى راكبا مثلى

فامنن علىّ بما يسكّنه ... عنى وأهد الغمد للنّصل

فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم وجارية حسناء بآلتها وخادم معه برذون بسرجه ولجامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>