فاقتضى ذاك خشن الملبوس والمأكل، والزهد فى ملاذّ الدنيا. وكان الذى يحصل له فى السنة مقدار ثلاثين دينارا، قدّر منها لمن يخدمه النّصف، وأبقى النّصف الآخر لمؤونته؛ فكان أكله العدس إذا أكل مطبوخا، وحلاوته التّين، ولباسه خشن الثياب من القطن، وفرشه من لبّاد فى الشتاء، وحصيره من البردىّ فى الصيف، وترك ما سوى ذلك. ولما عورض فى الوقف المذكور بيد بعض نوّاب حلب سافر إلى العراق شاكيا ذلك فى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
واشتهر ذكره ببغداذ، وقرئ عليه كتابه سقط الزّند، واجتمع بالشريف الرضىّ والمرتضى، ولدى أبى أحمد، وشهدا بفضله وفطنته وفرط ذكائه.
وحضر خزانة الكتب التى بيد عبد السلام البصرىّ، وعرض عليه أسماءها، فلم يستغرب فيها شيئا لم يره بدور العلم بطرابلس، سوى ديوان تيم اللّات، فاستعاره منه، وخرج عن بغداذ، وقد سها عن إعادته، ولم يذكره حتى صار بالمعرّة، فأعاده إليه، وفى صحبته القصيده التائية التى أوّلها «١»:
هات الحديث عن الزّوراء أوهيتا ... وموقد النار لا تكرى بتكريتا «٢»
يقول فيها:
اقر السّلام على عبد السّلام فلى ... جيد إلى نحوه ما زال «٣» ملفوتا