وقال ثعلب أيضا: قدم الرياشى بغداذ فى سنة ثلاثين ومائتين، فأتيته لأكتب عنه، فقال: أسألك عن مسألة؟ فقلت: قل، قال:«نعم الرجل يقوم»؛ قلت:
الكسائىّ يضمر «رجلا يقوم» والفرّاء لا يضمر، لأن «نعم» عنده اسم، وعند الكسائىّ فعل، و «يقوم» من صلة الرجل، وسيبويه يقول: إنه ترجمة. قال:
صدقت، قلت: فتقول: «يقوم نعم الرجل»؟ قال: نعم، قلت: هذا مخالف لقول صاحبك «١»، والكسائىّ والفراء يجيزانه؛ لأن الترجمة إذا تقدّمت فسد «٢» الكلام؛ لأنه إنما أتى بها فى آخره، ليظهر معنى الكلام؛ فاقصد لما أتيت له.
ثم قال: إنى أسألك عن مسألة سألنا عنها الأخفش: لم قالت العرب:
«نعم الرجلان أخواك»، فثنّوا «الرجل» وهو جنس من الرجال على «أخواك»؟
والمعبّر «٣» عن الجنس لا يثنّى ولا يجمع؟ فقلت له: لمّا صرف الفعل إلى الرجل جرى مجرى الفاعل، فثنّى وجمع لذلك. فقال: هكذا قال الأخفش. قلت له: وجالست الأخفش؟ قال: نعم، وأنا أرى أنّى أعلم منه. فما أعجبتنى هذه الكلمة من الرّياشىّ؛ لأنى وجدته أفرط فيها. فجاريته الأخبار والأشعار وأيام الناس، ففجّرت به ثبج بحر.
وجرت مناظرة فى مجلس فيه الأخفش سعيد والعبّاس بن الفرج الرّياشىّ، فقال الأخفش: إن «منذ» إذا رفعت بها كان اسما مبتدأ وما بعده خبره، وإذا جررت بها كان حرفا جاء لمعنى. فقال له الرياشى: فلم لا تكون فى حال ما يرفع ويجر جميعا اسما؛ كما تقول:«ضارب زيدا، [وضارب زيد]»، فقد رأينا الاسم ينصب الاسم ويجره. فلم يأت الأخفش بمقنع. فلما سمع المازنىّ هذا الكلام [قال:]