كأنّما نظر الأعمى إلى أدبى ... وأسمعت كلماتى من به صمم
وسمع الجماعة يوما يذكرون بطّيخ حلب، فتكلّف وسيّر من ابتاع له منه حملا، وأحضرهم إيّاه، فأفردوا له منه عددا يسيرا، وتركوه فى سرداب له كان إذا أراد الأكل نزل إليه وأكل مستترا، ويقول: الأعمى عورة، والواجب استتاره فى كلّ أحواله.
ولما كان بعد أيام نزل خادمه إلى تفقّد المغارة؛ [و]«١» وجد البطّيخ بحاله لم يعرض له وقد فسد، فراجعه فى ذلك فلم يجبه. واستدل الجماعة بذلك على أنه ما كان يتفكّه. وربّما كان يتناول ما يقوم بالأود من أيسر الموجودات.
وذكر أنّه نزل إلى السّرداب، وأكل شيئا من ربّ أو دبس، «٢» ونقط على صدره منه يسير وهو لا يشعر به. فلما جلس للإقراء لمحه بعض الطلبة فقال:
يا سيّدى، أكلت دبسا! فأسرع بيده إلى صدره ومسحه، وقال: نعم، لعن الله النّهم! فاستحسن منه سرعة فهمه بما على صدره، وأنه الذى أشعر به.
وكان الطّلبة إذا قصدوه أنفقوا على أنفسهم من موجودهم، ولم يكن له من السّعة ما يبرّهم به. وأهل اليسار من أهل المعرّة يعرفون بالبخل، فكان- رحمه الله- يتأوّه من ذلك، ويعتذر إلى قاصديه.
ولقد قصده من الطلبة رجل أعجمى يعرف بالكردانىّ، وكتب عنه فيما كتب ذكرى حبيب. فتقدم أبو العلاء إلى بعض نسبائه بما كتبه له على الكتاب المذكور وهو:
«قال أحمد بن عبد الله بن سليمان التّنوخىّ، من أهل معرة النعمان: قرأ علىّ هذا الجزء، وهو الجزء الثانى من الكتاب المعروف بذكرى حبيب الشيخ الفاضل