فقال صالح: قد وهبتها لك يا أبا العلاء. ثم قال له صالح: أنشدنا شيئا من شعرك يا أبا العلاء، لنرويه عنك. فأنشد ارتجالا فى المجلس:«٣»
تغيّبت فى منزلى برهة ... ستير العيوب فقيد الحسد
فلمّا مضى العمر إلا الأقلّ ... وحمّ «٤» لروحى فراق الجسد
بعثت شفيعا إلى صالح ... وذاك من القوم رأى فسد
فيسمع منّي سجع الحمام ... وأسمع منه زئير الأسد
فلا يعجبنّى هذا النّفاق «٥» ... فكم نفّقت محنة ما كسد
فقال صالح: بل نحن الذين تسمع منا سجع الحمام، وأنت الذى نسمع منك زئير الأسد. ثم أمر بخيامه فوضعت، وبأثقاله فرفعت، ورحل عنها. فرجع أبو العلاء إلى المعرّة، وهو ينشد:«٦»
نجّى المعرة من براثن «٧» صالح ... ربّ يداوى كلّ داء معضل
ما كان لى فيها جناح بعوضة ... الله ألحفهم «٨» جناح تفضّل
ولما صنف أبو العلاء كتاب اللامع العزيزى فى شرح شعر المتنبى، وقرئ عليه، أخذ الجماعة فى وصفه. فقال أبو العلاء: رحم الله المتنبىّ! كأنما نظر إلىّ بلحظ الغيب، حيث يقول:«٩»