وكان ابن عادى ممن حذق النحو، وتقصّى مسائله، وجمع أشتاته، وأحاط بأصوله وفروعه، ونقّب عن مقيسه وشاذه. فلزمه واستفاد منه، وحمل عنه علما كثيرا.
ثم عاد إلى القاهرة ليقضى بها مدة قصيرة ويرحل عنها فلا يعود. ففى سنة ٥٩١ سافر أبوه إلى بيت المقدس واليا عليها من قبل الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين، فصحبه فى سفره، ونزل معه ببيت المقدس، وطاب له المقام فيها زمانا؛ وهناك عايش أهلها، ولابس رجالها، ولقى عندهم جوارا كريما، ومنزلا طيبا، ولقوا منه رجلا محمود الصحبة، جميل العشرة، لطيف الطبع، أديبا بارعا عذب الموارد، وعالما فاضلا جمّ الفوائد، يتجمّل بالخلق الكريم، والطبع السرىّ النبيل، فأحبهم وأحبوه، واطمأنّ إليهم واطمأنوا إليه. ثم رغبوا إليه فى أن يتولى شيئا من أمور الملك فأبى عليهم، وآثر أندية العلم، ومجامع الأدب والفضل، وزهد فى مجالس الحكم وديوان السلطان.
وعصفت ببيت المقدس أقدار، وتقلبت عليها أهوال، وانتهت إلى أن دخلت فى حوزة الملك العادل ووزيره ابن شكر. ولم يكن أبوه القاضى الأشرف من شيعة العادل، ولا ممن يوادّون ابن شكر، فتوجس منهما خيفة، وخرج منها بليل، وذهب إلى حرّان. وعندئذ تعذّر على القفطى المقام بعد أبيه، ونبا به المنزل، فترك بيت المقدس، وقصد إلى حلب مع من قصد إليها.
وكان السلطان صلاح الدين قد أعطى ولاية حلب لابنه الملك غازى المعروف بالظاهر «١» فى حياته، ثم ظلت فى حكمه بعد وفاة أبيه، وتوارثها أولاده من بعده،