للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة خمس وخمسين ومائتين، فدرنا على الحلق يوم الجمعة، فوقفنا على حلقة فيها رجل يتلهّب ذكاء، ويجيب عن كلّ ما يسأل عنه من مسائل القرآن والنحو والغريب وأبيات المعانى، فقلنا: من هذا؟ فقالوا: أحمد بن يحيى ثعلب؛ فبينا نحن كذلك إذ ورد شيخ يتوكّأ على عصا، فقال لأهل الحلقة: أفرجوا للشيخ، فأفرجوا له حتى جلس إلى جانبه، ثم سأله عن مسألة فقال: قال أبو جعفر الرؤاسىّ: فيها كذا، وقال الكسائىّ: فيها كذا، وقال هشام: فيها كذا، وقلت أنا: كذا. فقال له الشيخ: إن [١] ترانى أعتقد فى هذه المسألة إلا جوابك، فالحمد لله الذى بلّغنى هذه المنزلة فيك. فقلنا: من هذا؟ فقالوا:

محمد [٢] بن قادم.

وكان مع إسحاق بن إبراهيم المصعبىّ؛ قال ثعلب: وكان ابن قادم يشبه الناس فى خلقه وعلمه. قال: وجّه إلىّ إسحاق يوما فأحضرنى فلم أدر ما السبب، فلما قربت من مجلسه تلقّانى ميمون بن إبراهيم كاتبه على الرسائل وهو على غاية الهلع والجزع، فقال لى بصوت خفىّ: إنه إسحاق، ومرّ غير متلبّث ولا متوقف حتى رجع إلى مجلس إسحاق، فراعنى ذلك، فلما مثلت بين يديه قال لى:

كيف يقال: «وهذا المال مالا» أو «هذا المال مال»؟ فعلمت ما أراد ميمون، فقلت له: الوجه «[وهذا [٣]] المال مال»، ويجوز «وهذا المال مالا»، فأقبل إسحاق على ميمون بغلظة وفظاظة، ثم قال: الزم الوجه فى كتبك، ودعنا من يجوز ويجوز.

ورمى بكتاب كان فى يده، فسألت عن الخبر فإذا ميمون قد كتب إلى المأمون وهو


[١] فى طبقات الزبيدى: «لن ترانى».
[٢] فى طبقات الزبيدى: «فقالوا: أستاذه محمد بن قادم».
[٣] من طبقات الزبيدى.

<<  <  ج: ص:  >  >>