للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مغاليا فى حبّ معاوية، وعنده جزء من فضائله. وكان إذا ورد إليه من يروم الأخذ عنه ألزمه قراءة ذلك الخبر. وكان جماعة يكذّبونه فى أكثر رواياته اللغة ويقولون: لو طار طائر لقال أبو عمر: «حدّثنا ثعلب عن ابن الأعرابى ... »،

ويذكر فى معنى ذلك شيئا. فأما رواية الحديث فالمحدّثون يوثّقونه على ذلك.

وكان حافظا مكثرا من اللغة أملى جميع ما ينسب من التصانيف من لسانه من غير صحيفة، وكتبها الرواة عنه ومن غير إملائه.

ويقال: إنه أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة؛ فلذلك الإكثار نسب إلى الكذب. وكان يسأل عن شىء قد تواطأ الجماعة على وضعه فيجيب عنه، ثم يترك سنة ويسأل عنه، فيجيب ذلك الجواب بعينه.

فمما جرى له فى ذلك أنّ جماعة قصدوه للأخذ عنه؛ فتذاكروا فى طريقهم عند قنطرة هناك [١] إكثاره وكذبه، فقال أحدهم: أصحّف له اسم هذه القنطرة وأسأل عنه؛ فانظروا ماذا يجيب؟ فلما دخلوا عليه قال له: أيها الشيخ، ما «الهرطنق [٢]» عند العرب؟ فقال: كذا وكذا. فضحك الجماعة سرّا وانصرفوا. وبعد شهر تركوا من سأله عنها فقال: ألست سألت عن هذه المسألة من مدّة كذا وكذا، وأجبت عنها بكذا! فعجب الجماعة من فطنته وذكره للمسألة والوقت، وإن لم يتحققوا صحة ما ذكره.

وكان أبو الحسن معز الدولة بن بويه [٣] قد قلّد شرطة بغداذ لغلام له اسمه خواجا، فبلغ أبا عمر الزاهد الخبر- وكان يملى كتاب الياقوته»، فلما جلس للإملاء قال:


[١] فى تاريخ بغداد: «قنطرة الصراة»، والصراة: نهر ببغداد.
[٢] فى الأصلين: «القنطرة» وهو تصحيف، وما أثبته عن معجم الأدباء.
[٣] هو معز الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه بن فناخسرو، أحد ملوك دولة بنى بويه، ملك بغداد نيفا وعشرين سنة، وتوفى سنة ٣٥٦. شذرات الذهب (٣: ١٨)، والنجوم الزاهرة (٤: ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>