للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اكتبوا ياقوتة خواجا، الخواج فى أصل لغة العرب الجوع، ثم فرّع على هذا بابا وأملاه؛ فاستعظم الناس ذلك من كذبه، وتتبعوه فى كتب اللغة.

قال أبو على الحاتمىّ الكاتب اللغوىّ: أخرجنا فى أمالى الحامض عن ثعلب عن ابن الاعرابى: الخواج: الجوع.

وكان أبو عمر الزاهد يؤدّب ولد القاضى أبى عمر محمد بن يوسف [١]. فأملى يوما على الغلام نحوا من ثلاثين مسألة فى اللغة، وذكر غريبها وختمها ببيتين من الشعر.

وحضر أبو بكر بن دريد وأبو بكر بن الأنبارى وأبو بكر بن مقسم عند أبى عمر، فعرض عليهم تلك المسائل؛ فما عرفوا منها شيئا، وأنكروا الشعر. فقال لهم القاضى:

ما تقولون فيها؟ فقال له ابن الأنبارى: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن، ولست أقول شيئا. وقال ابن مقسم مثل ذلك واحتج باشتغاله بالقراءات. وقال ابن دريد:

هذه المسائل من موضوعات أبى عمر، ولا أصل لشىء منها فى اللغة؛ وانصرفوا.

وبلغ أبا عمر ذلك فاجتمع مع القاضى وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عيّنهم لهم؛ ففتح القاضى خزانته وأخرج له تلك الدواوين، فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كلّ مسألة ويخرج لها شاهدا من بعض تلك الدواوين ويعرضه على القاضى حتى استوفى جميعها، ثم قال: وهذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضى، وكتبهما القاضى بخطه على ظهر الكتاب الفلانىّ. فأحضر القاضى الكتاب فوجد البيتين على ظهره بخطّه كما ذكر أبو عمر. وانتهت القصة إلى ابن دريد، فلم يذكر أبا عمر بلفظة حتى مات.


[١] هو أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب القاضى الأزدىّ. ولى قضاء بغداذ والأعمال المتصلة بها سنة ٢٨٤؛ ثم نقل إلى قضاء الشرقية سنة ٢٩٦، ثم صرف عنها سنة ٢٩٧، ولازم منزله، ثم عاد إلى القضاء بعد ذلك، ونقل الناس عنه علما من الحديث والفقه والأخبار، وتوفى سنة ٣٢٠. تاريخ بغداد (٣: ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>