[الأعراف: ١٢] فإن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي الاشتعال والحركة والاضطراب فالغضب خلق من نار وغرز في الإنسان وعجن بطينته فمهما غضب في عرض من أعراضه ومقصد من مقاصده اشتعلت نار الغضب وفارت فوراناً يغلي به دماغ القلب وينتشر في العروق ويرتفع على أعالي البدن كما يرتفع الماء [١/ ٣٠٢] الذي يغلي في القدر فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين والبشرة لصفائها تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "الغضب جمرة توقد في القلب ألم تر إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه ... "(١) الحديث. نعم وإذا اشتدت نار الغضب أعمت صاحبها وأصمته عن كل موعظة فإذا وعظ لم يسمع بل يزداد غضباً وإن استضاء بنور عقله وراجع نفسه لم يقدر إذ ينطفئ نور العقل في الحال وينمحي بدخان الغضب فإن معدن الفكر الدماغ ويتصاعد عند شدة الغضب دخان من القلب إلى الدماغ يظلم فيستولي على معادن الفكرة ثم تظهر آثاره على جوارحه فينطلق اللسان بالشتم والفحش الذي يستحي منه ذو العقول ويستحي منه قائله عند فتور الغضب مع تخليط في اللفظ وتنطلق الجوارح بالضرب والتهجين والقتل والجرح مع التمكن فإن فاته المغضوب عليه يرجع إلى نفسه بتمزيق ثوبه ولطم نفسه، ويتولد في القلب الحقد والحسد وإضمار السوء والشماتة بالمساءات والعزم على إفشاء السر وهتك الستر وغير ذلك، وقد أرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى أدوية يدفع بها الغضب ويكسر ثورته منها الاستعاذة كما تقدم ومنها التحول من حال إلى حال غير التي هو عليها فيجلس إن كان قائماً ويضطجع إن كان قاعداً، ومنها أن
(١) أخرجه الترمذي (٢١٩١)، وابن ماجه (٤٠٠٠)، وأحمد (٣/ ١٩)، والحاكم في المستدرك (٤/ ٥٥١)، والبيهقي في السنن (٧/ ٩١)، ومسند أبي يعلى (١١٠١)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (١٢٤٠): ضعيف لأن مدار الحديث على: علي بن زيد بن جدعان ضعيف كما في التقريب (٤٧٣٤).