الدنيا يعين في الدين قال:"في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة" ولما كان كمال العبد في أن يكون عالمًا بالحق متبعًا له معلمًا لغيره ومرشدًا له قال: اجعلنا هداة مهديين، ولما كان الرضا النافع المحصل للمطلوب هو الرضا بعد وقوع القضاء لا قبله فإن ذلك عزم على الرضا فإذا وقع القضاء انفتح ذلك العزم فينال الرضا بعده فإن القدر يكتنفه أمران الاستخارة قبل وقوعه والرضا بعد وقوعه فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما كما في المسند (١) وغيره عنه - صلى الله عليه وسلم -[١/ ٤٣٩] من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله وأن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله ولما كانت خشية الله رأس كل خير في المشهد والمغيب سأله خشيته في الغيب والشهادة ولما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق في رضاه فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل، سأل الله أن يوفقه لكلمة الحق في الغضب والرضا، ولذا قال بعض السلف لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه عن الحق، ولما كان الفقر والغنى محنتين وبليتين يبتلي بهما عباده ففي الغنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سأل الله القصد في الحالين وهو التوسط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير ولما كان النعيم نوعين نوعا للبدن ونوعا للقلب وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره جمع بينهما في قوله أسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ولما كانت الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب وكانت زينة القلب أعظمها قدرًا وأجلها خطرًا وإذا حصلت حصلت زينة البدن في العقبى على أكمل الوجوه، فسأل ربه الزينة الباقية فقال: زّينا بزينة الإيمان، ولما كان العيش في هذه الدار لا يبرد لأحد كائنًا من كان بل هو محشو بالغصص والنكد ومحفوف بالآلام