معه فرأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهتماً شديد الحزن، وجعلنا لا نكلمه حتى انتهينا إلى المقبرة فإذا هو لم يفرغ من لحده فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقعدنا حوله، فحدث نفسه هنيهة وجعل ينظر إلى السماء ثم فرغ من القبر فنزل فيه فرأيته يزداد حزناً ثم إنه فرغ فخرج فرأيته يسري عنه وتبسم فقلنا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - رأيناك مهتمًا حزينًا لم نستطع أن نكلمك ثم رأيناك سري عنك فلم ذلك؟ قال: كنت أذكر ضيق القبر وغمه وضعف زينب فكان ذلك يشق علي فدعوت الله أن يخفف عنها ففعل ولقد ضغطتها ضغطة سمعها ما بين الخافقين إلا الجن والإنس؛ فهذا يخبرك أنه ما سلم منها ابنة سيد الرسل - صلى الله عليه وسلم - بعد سؤاله التخفيف (ويقيض) يثبتّ ويقدر (له سبعون تنينًا) بزنة سكين حية عظيمة (لو أن واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئًا) لما في حرارة نفسه من الشدة التي تحرق الدنيا وتمنعها من الإنبات (ما بقيت الدنيا فينهشه) بالمعجمة لسعه وعضه وأخذه بأضراسه وبالمهملة أخذه بأطراف الأسنان (ويخدشه) بالمعجميتين بزنة من خدش الجلد إذا مزقه ويستمر على ذلك (حتى يفضي به إلى الحساب) إلى يوم الحساب وهو يوم القيامة (إنما القبر روضة من رياض الجنة) لأهل الإيمان (أو حفرة من حفر النار) لأهل الكفر والفجور (١).
واعلم: أنه قد شكك بعض الملاحدة ممن لا حظ له في الإيمان في عذاب القبر ووافقهم إخوانهم من أهل الابتداع وقالوا: كل حديث يخالف مقتضى العقل والحس يقطع بتخطئة ناقليه قالوا: ونحن نرى من يصلب على خشبة مدة طويلة لا يسأل ولا يجيب ولا يتحرك ولا يتوقد جسمه ناراً، قالوا: وقد نكشف القبر فلا نجد فيه ملائكة يضربون الميت بمطارق الحديد ولا نجد هناك حيات
(١) وضع في الحاشية عنوان: "مطلب في عذاب القبر والرد على من قدح فيه".