ولا ثعابين ولا نيراناً تأجج. قالوا: ومن افترسته السباع ونهشته الطيور وتفرقت أجزاؤه في أجواف السباع وحواصل الطيور وبطون الحيتان ومذارح الرياح كيف يسأل أجزاؤه مع تفرقها؟ وكيف يتصور مسألة الملكين لمن هذه صفته؟ وكيف يصير القبر عليه روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار ونحو هذا من أدلتهم الباطلة.
فنقول: اعلم أن الرسل عليهم السلام لا يخبرون بما تحيله العقول وتقطع باستحالته بل خبرهم قسمان:
أحدهما: ما تشهد به العقول.
والثاني: ما لا تدركه بمجردها كالغيوب التي أخبروا بها من تفاصيل البرزخ، وتفاصيل الثواب والعقاب.
والواجب الإيمان بما جاء به الرسول من غير غلو فيه ولا تقصير.
وثانيًا: أنه تعالى جعل الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وجعل لكل دار أحكامًا تختص بها، فأحكام دار الدنيا جعلها [١/ ٤٥٤] على الأبدان والأرواح تبع لها وقد جعل أحكامه الشريفة مترتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح وإن أضمرت النفوس خلافها وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها فالأرواح في دار البرزخ التي هي تباشر العذاب والنعيم والأبدان متابعة لها تألم بألمها وتنعم بنعيمها والأرواح خفية والأبدان كالقبور لها فتجري أحاكم البرزخ على الأرواح وتسري إلى الأبدان كما في دار الدنيا تجري على الأبدان وتسري إلى أرواحها.
وقد أرانا الله في الدنيا نوعاً من ذلك في النائم فإن الأمر الذي يتنعم به أو يتألم به في المنام يجري على روحه أصلاً والبدن تبع له في ذلك فقد يقوى ما ينال الروح من ذلك فتظهر على البدن ظهورًا بيناً من التألم أو المتنعم فقد يرى أنه