يضرب ويصبح وأثر الضرب في جسمه وقد يرى أنه يأكل وأثر الطعام في فمه ويذهب عنه الجوع والظمأ وقد ينام بين المستيقظين ويرى عجائب يخبر بها ولا يدرك من يشاهده من المستيقظين حوله شيئاً وذلك لأن هذا حكم يجري لروحه وهو منقطع عن بدنه انقطاعًا ما فإذا تجرد الروح عن البدن في البرزخ وانقطع عنه انقطاعًا أكمل من ذلك الانقطاع جرت عليه أحكامه من عذابه ونعيمه وسعة قبره عليه وضيقه أتم من حال النائم ولا يشاهده الأحياء فإذا حشرت الأجساد وكانت أحكام دار القرار على الروح والجسد جميعًا.
وثالثًا: أن الله تعالى جعل أمر الآخرة وما يتصل بها غيبًا محجوبًا عن إدراك المكلفين في هذه الدار وذلك لحكمة جليلة يتميز من يؤمن بالغيب من غيره، فأول ذلك أنها تنزل الملائكة على المحتضر وتجلس قريبًا منه ويشاهدهم عيانًا ويتحدثون عنده وقد يسلمون عليه ويرد عليهم تارة بإشارته وتارة بلفظه وقد يخاطبهم ويرحب بهم، وقد روي من هذا أنواعًا يخرج عن الحصر وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله:{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ}[الواقعة: ٨٣ - ٨٥] أي أقرب إليه بملائكتنا ورسلنا ولكنكم لا ترونهم وقال: {لَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ في غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ}[الأنعام: ١٩٣] فهذا أول الأمر وهو في دار الدنيا غير مشاهد لنا ثم يخرجون روحه ولها نور كشعاع الشمس ورائحة أطيب من رائحة المسك وذلك لا يشاهده الحاضرون.
ورابعًا: أن نار البرزخ من نار الآخرة ونار الآخرة ليست مثل نار الدنيا حتى يشاهدها من يشاهد نار الدنيا فهي أشد من نار الدنيا ولا ينظرها أهل الدنيا ولا يدركونها وقد يطلع الله بعض عباده عليها وثبت في الأحاديث أنه يدركها النائم وذكر ابن أبي الدنيا عن الشعبي أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: مررت ببدر فرأيت رجلاً يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب في الأرض ثم يخرج