للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سبب هذا في الدعاء، فقالت طائفة: إنه لا فائدة فيه فتركته توهمًا منها لما أورده السائل، وهذا جهل عظيم وتعطيل للأسباب مع أنه يقال لا فائدة في الأكل لأنه إذا كان قدر الشبع وقع أكلت أو لم تأكل وإن لم يكن قد قدر فلا يقع وكذلك كل مسبب رتبه العقل أو الشرع على سبب كالولد من الوطئ وطلوع الزرع من إلقاء البذر وغير ذلك، وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك.

وقالت طائفة: الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحضر يثيب الله عليه الداعي من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما.

وقالت طائفة: الدعاء عبادة مجردة نصها الله تعالى إمارة على قضاء الحاجة فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له وإشارة إلى قضاء حاجته وهو كما لو رأينا غيمًا أسود باردًا في السماء فإنه دليل وعلامة على أنه يمطر، فإن قالوا ليس شيء من ذلك علامة البتة ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه إلا مجرد الاقتران العادي لا التأثير السببي، وخالفوا في ذلك الحس والعقل والشرع ونظر العقلاء، والصواب غير ذلك أن المقدور قدر بأسباب، من أسبابه الدعاء فلم يقدر مجردًا عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور ومن لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب والولد بالوطئ ونحو ذلك.

واعلم أن الدعاء بمنزلة السلاح في يد الضارب به لا يؤثر بحده فقط فمتى كان السلاح سلاحًا تامًا لا آفة به والساعد ساعدًا قويًا والمانع مفقودًا حصلت النكاية والتأثير في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير فإذا كان الداعي في نفسه غير صالح أو لم يجمع بين لسانه وقلبه لما تقدم من أنه تعالى "لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه" أو كان مانع من الإجابة وموانع الإجابة كثيرة منها أكل الحرام كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وفيه: "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه

<<  <  ج: ص:  >  >>